تقارير

روسيا وتركيا وصراع القوقاز

المصدر

د.غسان العزي

في ال27 من الشهر المنصرم، استيقظ الصراع مجدداً بين أذربيجان وأرمينيا؛ وهو صراع تعود جذوره إلى أيام ستالين، الذي ضم ناجورنو كاراباخ إلى أذربيجان. بعد تفكك الاتحاد السوفييتي، في عام 1991، أعلن هذا الإقليم الذي يسكنه 150 ألف شخص أغلبهم من الأرمن، ومساحته 4400 كلم2 الاستقلال؛ وهو استقلال تدعمه أرمينيا، وتعارضه أذربيجان ولم يحظ باعتراف دولي، وقد تسبب بصراع عسكري سقط ضحيته الآلاف بين قتيل وجريح ومشرد. وقد حاولت الدبلوماسية الدولية حل هذا الصراع دون جدوى؛ إذ تشكلت «جماعة مينسك» بقيادة واشنطن وباريس وموسكو لهذا الغرض منذ عام 1994 ولم تتوصل إلى أكثر من وقف هش لإطلاق النار عقب معارك تندلع بين الحين والآخر. ويصف أحد الدبلوماسيين المعنيين هذا الصراع بأنه «أحجية حقيقية. هناك صراع بين قوميتين يصعب التوفيق بينهما. فالقوة العسكرية عاجزة عن حل هذا الصراع والدبلوماسية تبدو عاجزة هي الأخرى». خلفه هناك الجغرافيا السياسية المعقدة لمنطقة القوقاز وأنابيب الطاقة والتنافس بين قوى إقليمية ودولية.

أرمينيا التي تدعم الجمهورية الانفصالية يهمها المحافظة على الوضع الراهن؛ لكن الرئيس الهام علييف يسعى إلى تثبيت دعائم حكمه المهتز؛ بسبب تراجع أسعار النفط وأزمة كورونا.

انفجار الوضع في كاراباخ مرتبط أيضاً بالوضع السوري والليبي؛ حيث تبقى الإنجازات العسكرية التركية متواضعة، والإنجازات السياسية في مأزق؛ لذلك تسعى أنقرة إلى فتح جبهة جديدة في القوقاز ليس لأنها تسعى إلى مواجهة مع موسكو؛ لكن كي تفتح معها بازاراً حول سوريا وليبيا وشرق المتوسط. وبالطبع فإن المصالح القومية والاستراتيجية والنفطية حاضرة بقوة في هذا الملف الساخن.

المسألة الأرمينية تبقى حاضرة منذ الحرب العالمية الأولى في الوعي الجمعي التركي، وما تزال تملك قدرة استنفارية للقاعدة الانتخابية الأردوغانية داخل البلاد وخارجها أيضاً. من الجهة المقابلة، فإن أردوغان الذي ينصب نفسه زعيماً على العالمين الإسلامي والطوراني، والذي يحاول توسيع نفوذه بعيداً خارج بلاده، يجد في هذا الصراع مناسبة لتوطيد هذا النفوذ. فأنقرة انخرطت بكليتها في المعارك الأخيرة؛ إذ ارسلت المرتزقة والطائرات والأسلحة إلى جانب المستشارين؛ لدعم باكو.

من الناحية الاقتصادية، تنظر أنقره إلى خط أنابيب باكو-تبليسي-سيحان الذي يمر بالقرب من مناطق الصراع، وينقل البترول إليها، وبالتالي فالمسألة حيوية لأمن الطاقة لتركيا التي تستورد النفط والغاز من أذربيجان التي بدأت موسكو تستحوذ على النفوذ فيها؛ إذ أضحت المصدر ل68% من أسلحتها ومعداتها العسكرية. هناك صراع خفي على النفوذ في باكو بين أنقرة وموسكو.

هذه الأخيرة ترتبط بعلاقات جيدة سواء مع أرمينيا حليفتها في منظمة معاهدة الأمن الجماعي التي تضم عدداً من الجمهوريات السوفييتية السابقة أو مع أذربيجان التي خرجت من هذه المنظمة في عام 1999.

يعتقد مراقبون أن موسكو قد أغمضت عينيها أمام الهجوم الأذري الأخير؛ بسبب عدم ثقتها برئيس الوزراء الأرميني المعارض السابق نيكول باخينيان الموالي لأوروبا والذي لا يكن الكثير من المودة لموسكو. وسواء كان ذلك صحيحاً أم لا فإن موقف موسكو يشوبه الكثير من الغموض، فهي تبذل الكثير من الجهود الدبلوماسية وفي الوقت نفسه تقوم بتسليح الطرفين في سعي للإبقاء على نفوذها عليهما معاً. والخوف من أن تعمد أنقرة إلى تشجيع باكو على تغيير الستاتيكو الذي تريد موسكو وجماعة مينسك المحافظة عليه.

لا تملك موسكو أوراق ضغط قوية على أنقرة، فأنبوب غازها في عمق البحر الأسود يحتوي على شقين: أحدهما للسوق الداخلي التركي، والآخر للترانزيت نحو أوروبا الجنوبية الشرقية. هناك أيضاً المشروع المنافس المتعلق بأنبوب الغاز الأذري التركي. إذا حاولت موسكو معاقبة أنقرة فإنها في الواقع تعاقب نفسها بنفسها؛ إذ إنها تترك شركاءها الأوروبيين من دون غاز وبالتالي تخسر حصتها في السوق لمصلحة أذربيجان. وإذا أوقفت مشاريع مثل المفاعل النووي أو صواريخ «إس400» وغيرها مع أنقرة، فسوف تتسبب بذلك بخلافات مالية خطرة؛ كون هذه المشاريع باتت منجزة في حيز منها.

لذلك من مصلحة موسكو بذل كل الجهود الدبلوماسية الممكنة؛ من أجل التوصل إلى وقف لإطلاق النار، مع علمها بأنه سيكون هشاً على غرار كل اتفاقات وقف إطلاق النار السابقة.

عن مصدر الخبر

المصدر

Editor

Ads Here