«مناعة القطيع» والأخلاق
د. حسن مدن
انتابتني مشاعر متناقضة حين عدت لأولى المقالات التي كتبتها حول جائحة «كورونا»، وكان ذلك في الفترة بين مارس/ آذار، وإبريل/ نيسان الماضيين، فوجدتني كنت أستفظع، يومها، أن عدد المصابين بالفيروس حول العالم، بلغ مليون إصابة، فيما كان عدد المتوفين جراء الإصابة بالآلاف، حيث بدا لي، ولغيري بالتأكيد، أن هذه أرقام مخيفة. ولكم يبدو هذا باعثاً على السخرية حين نعود إليه اليوم وعدد المتوفين تجاوز المليون، وعدد المصابين يقترب من نحو 40 مليون مصاب حول العالم.
ربما كنا نمني النفس يومها بأن الأمر ما زال قابلاً للسيطرة عليه، تمشياً مع ما تردد، آنذاك، أنه مع ارتفاع درجات الحرارة بحلول الصيف، سيختفي الفيروس أو تضعف قدرته على الانتشار، ومن الآمال، أو الأوهام، التي رادوتنا عن سرعة الوصول إلى علاج فعال للفيروس أو لقاح ضده.
شيء من هذا لم يحدث. جاء الصيف وذهب، والفيروس يتقدّم وينتشر غير آبه بآمالنا، لا علاج له حتى اللحظة، واللقاح المنتظر تحوّل إلى سباق بين الدول، من يعلن أولاً عن تسجيله يحسب نفسه ظافراً، فيما كان المتعين أن تتضافر جهود الدول المتقدمة طبياً وعلمياً بغية اختصار المسافة نحو إنتاجه، وتعميمه حول العالم، لكن بدا أن البشرية، مرة أخرى، لم تتعلم ولا تريد أن تتعلم من الدرس القاسي الذي يلقننا «كورونا» إياه.
أظهر الساسة وحتى بعض القائمين على الرعاية الاجتماعية التي هي حق للإنسان وواجب على الحكومات تجاه مواطنيها استخفافاً بحياة البشر، فأعينهم مصوبة نحو غاياتهم السياسية الضيقة، تارة بالاستخفاف بخطورة الوباء، على نحو الذي يجسده أبلغ تجسيد سلوك الرئيس الأمريكي ترامب، أو عبر تسويق نظرية «مناعة القطيع»، التي مؤداها في كلمات: ليمت من يمت ويصب من يصب، ممن لا يقوى على مقاومة الفيروس.
ذريعة القائلين بـ«مناعة القطيع» هي أن الانتشار الواسع للفيروس، يؤمن مناعة عامة لدى الناس بمرور الوقت، لكن التجربة المريرة لهذه الدعوة غير المسؤولة أدت إلى مصائب في بلدان مثل بريطانيا والبرازيل والولايات المتحدة، حتى إن رؤساء البلدان الثلاثة أنفسهم أصيبوا بالوباء، ولم تنقذ حيواتهم سوى الرعاية الطبية المميزة، لكن من سيؤمن بعض هذه الرعاية للملايين من ضحايا «مناعة القطيع»؟ يمكن الوقوف عند كلمات مدير منظمة الصحة العالمية التي وصف فيها مناعة القطيع بالأمر غير الأخلاقي، مؤكداً بأنه «لم يسبق في تاريخ الصحة العامة أن استخدمت كاستراتيجية للاستجابة لتفشي المرض، ناهيك عن جائحة».
madanbahrain@gmail.com