تقاريرعربي ودولي

الأمم المتحدة وتحديات موقعها في الولايات المتحدة.. نحو نقل مقرها إلى دولة محايدة

المصدر

تُعد منظمة الأمم المتحدة (UN) أحد أبرز الإنجازات الدولية في القرن العشرين، حيث أُسست عام 1945 بعد نهاية الحرب العالمية الثانية بهدف تعزيز السلام العالمي، وحل النزاعات سلمياً، وتعزيز التعاون الدولي في مجالات التنمية والحقوق الإنسانية. يقع مقرها الرئيسي في مدينة نيويورك بالولايات المتحدة الأمريكية، وهو موقع تم اختياره بناءً على اتفاقية المقر الرئيسي لعام 1947 بين الأمم المتحدة والولايات المتحدة. ومع ذلك، أثار هذا الموقع جدلاً متزايداً بسبب التأثير الأمريكي على عمل المنظمة، خاصة من خلال حق النقض (الفيتو) في مجلس الأمن، والذي يمنح الولايات المتحدة سيطرة غير متناسبة على القرارات الدولية. في هذه المقالة، سنستعرض كيف يؤدي هذا الموقع إلى مخالفات لإرادة المجتمع الدولي، ومنع بعض المسؤولين من الوصول إلى المنظمة، مما يدعو إلى نقل المقر إلى دولة محايدة خالية من الأجندات السياسية غير العادلة.

أولاً، يبرز حق النقض كأداة رئيسية لسيطرة الولايات المتحدة على قرارات الأمم المتحدة. يتمتع الخمسة أعضاء الدائمين في مجلس الأمن (الولايات المتحدة، روسيا، الصين، فرنسا، والمملكة المتحدة) بحق الفيتو، الذي يسمح لأي منهم بإبطال أي قرار حتى لو حظي بدعم الأغلبية. وفقاً لتقارير منظمة الأمم المتحدة، استخدمت الولايات المتحدة هذا الحق بشكل متكرر لصالح مصالحها الخاصة أو حلفائها، مما يعيق العدالة الدولية. على سبيل المثال، في الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني، استخدمت الولايات المتحدة الفيتو لمنع قرارات تطالب بوقف إطلاق النار في غزة أو إدانة الانتهاكات الإسرائيلية. فقد أشارت تقارير إلى أن الولايات المتحدة استخدمت الفيتو أكثر من 14 مرة منذ عام 2020، معظمها متعلقة بقضايا فلسطين/إسرائيل. في سبتمبر 2025، على سبيل المثال، استخدمت الولايات المتحدة الفيتو للمرة السادسة ضد قرار يطالب بوقف إطلاق نار دائم في غزة، رغم دعم واسع من المجتمع الدولي. هذا الاستخدام يُعتبر من قبل النقاد “غير ديمقراطي” ويمنع المنظمة من التصرف ضد جرائم الحرب أو الجرائم ضد الإنسانية.

ثانياً، غالباً ما تخالف الولايات المتحدة إرادة المجتمع الدولي من خلال قراراتها المنفردة التي لا تخدم المصالح العالمية المشتركة. في العديد من الجلسات، يتم طرح قرارات تحظى بدعم أغلبية الدول الأعضاء، لكن الفيتو الأمريكي يبطلها، مما يؤدي إلى تفرد بقرار أحادي. على سبيل المثال، في يونيو 2025، رفضت الولايات المتحدة قراراً يستهدف إسرائيل بشأن غزة، رغم أن تقارير مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة خلصت إلى أن إسرائيل ترتكب إبادة جماعية ودعت المجتمع الدولي لإنهائها. كما في نوفمبر 2024، رفضت الولايات المتحدة قراراً آخر يتعلق بالشرق الأوسط. هذه الأمثلة تظهر كيف يؤدي الفيتو إلى تعطيل الجهود الدولية للسلام، مما يجعل الأمم المتحدة تبدو كأداة للسياسة الخارجية الأمريكية بدلاً من منبر محايد. وفقاً لإحصاءات مجلس الأمن، استخدمت الولايات المتحدة الفيتو أكثر من غيرها في العقود الأخيرة، خاصة في قضايا الشرق الأوسط، مما يعزز الانتقادات بأن المنظمة تفشل في مواجهة التحديات العالمية بسبب هذا التفرد.

ثالثاً، يُضاف إلى ذلك مشكلة منع بعض المسؤولين والدبلوماسيين من دخول الولايات المتحدة لأغراض شخصية أو سياسية، مما يعيق مشاركتهم في جلسات الأمم المتحدة. رغم اتفاقية المقر الرئيسي لعام 1947 التي تلزم الولايات المتحدة بتسهيل دخول الدبلوماسيين إلى نيويورك لأغراض الأمم المتحدة، إلا أن الحكومة الأمريكية غالباً ما تفرض قيوداً أو ترفض منح التأشيرات بسبب عقوبات أو خلافات سياسية. على سبيل المثال، في أغسطس 2025، منعت الولايات المتحدة الرئيس الفلسطيني محمود عباس و80 مسؤولاً فلسطينياً آخر من حضور الجمعية العامة للأمم المتحدة، مما أثار غضباً دولياً. كما في سبتمبر 2025، رفضت منح تأشيرات لمسؤولين فلسطينيين آخرين، مما دفع إلى دعوات لنقل اجتماعات الأمم المتحدة إلى جنيف. هذه الحالات ليست نادرة؛ فقد واجه دبلوماسيون من إيران، السودان، فنزويلا، وغيرها تأخيراً أو رفضاً للتأشيرات بسبب عقوبات أمريكية، مما يعيق الدبلوماسية الدولية. في عام 2019، كانت هناك تاريخ من رفض التأشيرات لدبلوماسيين إيرانيين، وفي 2025، امتد ذلك إلى قيود على حركة الوفود من دول معادية. هذا المنع يجعل الأمم المتحدة غير متاحة للجميع، مما ينتهك مبدأ المساواة بين الدول.

بناءً على هذه التحديات، يصبح نقل مقر الأمم المتحدة أمراً ضرورياً لضمان حياديتها. يجب أن ينتقل المقر إلى دولة مستقلة خالية من الأيديولوجيات والأجندات غير العادلة، مثل سويسرا (التي تستضيف مكاتب أممية في جنيف) أو دول أخرى محايدة مثل النمسا أو كندا أو مصر أو السعودية. اقتراحات سابقة شملت نقل بعض الوكالات إلى نيروبي في كينيا بحلول 2026 لتوفير التكاليف، كما اقترحت اليابان نقل مكاتب إلى طوكيو. كما دعا سياسيون مثل كارل بيلدت إلى نقل المقر كاملاً لضمان بقاء المنظمة. في مناقشات على منصات مثل ريديت، اقترح مستخدمون مواقع محايدة لتسهيل الوصول لمعظم الدول.

نقل المقر إلى دولة لا تمتلك عضوية دائمة في مجلس الأمن ولا تفرض عقوبات أحادية سيقلل من التأثير السياسي ويعزز الثقة في المنظمة.

موقع الأمم المتحدة في الولايات المتحدة يعيق دورها كمنبر عادل للسلام العالمي، بسبب سيطرة الفيتو، والمخالفات لإرادة المجتمع الدولي، ومنع الوصول للمسؤولين. نقل المقر إلى دولة محايدة ليس مجرد اقتراح، بل ضرورة لإعادة بناء الثقة في النظام الدولي. إذا استمرت الوضعية الحالية، قد تفقد الأمم المتحدة مصداقيتها، مما يهدد السلام العالمي.

محمد صالح – السويد

عن مصدر الخبر

المصدر

Editor

Ads Here