عربي ودولي

توني بلير والوجه المزدوج للسلطة

المصدر

في مطلع الألفية، برز اسم توني بلير، رئيس الوزراء البريطاني الأسبق، كواحد من أبرز الوجوه التي ارتبطت بالحرب على العراق عام 2003، إذ قدّم نفسه كحليف وفيّ للولايات المتحدة، مساندًا جورج بوش الابن في تبرير الغزو تحت ذريعة امتلاك العراق لأسلحة دمار شامل. هذه الذريعة التي اتضح لاحقًا أنها محض كذبة كبرى، كانت شرارة فتحت أبواب الجحيم على العراق، فمئات الألوف من الأبرياء فقدوا حياتهم بسبب قرارات قائمة على تصريحات هوجاء، ووعود أمنية لم يكن لها أي أساس من الحقيقة.

لقد لعب بلير دورًا محوريًا في إقناع الرأي العام البريطاني والعالمي بوجود خطر وشيك مصدره بغداد، متكئًا على تقارير استخباراتية مشبوهة، وأخرى مستندة إلى معلومات وفرتها جهات إسرائيلية مغرضة. لم يكن الأمر مجرد خطأ في التقدير، بل بدا أقرب إلى عملية خداع ممنهج، هدفه صناعة مبرر سياسي وعسكري لغزو العراق وإعادة رسم خريطة المنطقة بما يتماشى مع مصالح واشنطن وحلفائها.

واحدة من أبرز الأكاذيب التي رُوّجت آنذاك كانت قصة شراء العراق لليورانيوم من أفريقيا، وتحديدًا من النيجر، وهي القصة التي كررها بوش ووزير دفاعه دونالد رامسفيلد، ووجدت دعمًا صريحًا من توني بلير. لكن سرعان ما تهاوت هذه الرواية أمام الحقائق، وأدت إلى استقالة رئيس المخابرات الأمريكية حينها، بعد أن انكشفت اللعبة السياسية التي حاكتها أروقة السلطة. لقد مثلت هذه الحادثة نموذجًا فاضحًا على كيفية صناعة الأكاذيب لتبرير الحروب، وإقحام العالم في مغامرات دامية بُنيت على التضليل.

ومع مرور السنوات، بدأت أعين المراقبين الغربيين تنفتح على حجم التلاعب الذي صاحب الملف العراقي. اتضح أن قرار الحرب كان مبنيًا على شبكة من الأكاذيب المتعمدة. ومن هنا انطلقت موجة من الشكوك حول خطورة تولي قادة قادرين على صياغة قراراتهم المصيرية بالاعتماد على الخداع، وهو ما هزّ ثقة العالم بالمنظومة السياسية الغربية التي ادّعت الدفاع عن الديمقراطية والحرية، بينما كانت تمارس النقيض تمامًا.

يبقى السؤال اليوم: كيف يمكن للعالم أن يثق في رجل مثل توني بلير، وقد انكشف أنه كاذب، منافق، ومدلس للحقائق؟ إن إرثه السياسي ملطخ بدماء الأبرياء الذين دفعوا ثمن الأكاذيب الكبرى، ويظل شاهدًا حيًا على أن الحقيقة، وإن تأخرت، قادرة على أن تفضح من استخفّوا بالعقول، واستخدموا سلطة المنصب لبث الخداع وإشعال الحروب.

نقولا يعقوب – فلسطين

عن مصدر الخبر

المصدر

Editor

Ads Here