الاختيار الواعي.. لماذا نخسر أنفسنا حين لا ندرك أننا نملك القرار؟
في زمن تتسارع فيه الأحداث وتزداد فيه الضغوط، كثيرًا ما نُدفع لاتخاذ قرارات لا نملك فيها رفاهية التوقف والتفكير. نشعر أحيانًا أننا مجبرون، وأننا أمام خيار وحيد، فنختار لا لأننا نريد، بل لأننا نظن أننا لا نملك حقًا في الرفض. لكن الحقيقة التي نغفلها كثيرًا، أن الوعي يبدأ من إدراك بسيط: “أنا أملك دائمًا حق الاختيار”. القرار الذي يُتخذ دون وجود عدة خيارات واضحة، هو في الغالب قرار غير واعٍ.
قرار قد يقودنا إلى نتائج لا تُشبهنا، لا تناسبنا، ولا تعبّر عنا. ومع مرور الوقت، يتكرر هذا النمط، فنخسر أنفسنا تدريجيًا. نخسر علاقاتنا، وراحتنا، وأحيانًا حتى شغفنا بالحياة. كل ذلك لأننا لم نُدرّب عقولنا على التوقف والوعي وطرح السؤال الأهم: “ما هي الخيارات الحقيقية أمامي؟”
بين ردة الفعل والقرار الحقيقي
كثير من قراراتنا ليست سوى ردود فعل سريعة، ناتجة عن خوف أو قلق أو رغبة في إرضاء الآخرين. بينما القرار الحقيقي يتطلب شيئًا أعمق: لحظة وعي، وفحص للخيارات، واختيار مبني على قناعة داخلية.
الاختيار مسؤولية وليس راحة مؤقتة
أن تختار لا يعني أن الطريق سيكون سهلًا دائمًا. فبعض القرارات الواعية قد تكون مؤلمة، أو تحمل تبعات صعبة، لكنها على المدى البعيد تحفظ كرامتك، وتحمي قيمك، وتبني مستقبلك كما يليق بك.
هل يعني هذا أن نُفرط في التفكير؟
أبدًا. لأن هناك خيطًا رفيعًا بين الوعي والوسوسة. الوعي يعني أن تختار بعد أن ترى بوضوح. أما الوسوسة فهي أن ترى كل شيء غائمًا، فتُرهق نفسك دون أن تصل.
نحتاج ثقافة جديدة في الاختيار
ثقافة تقول:
• لست مجبرًا على الاختيار لمجرد أن أحدهم ينتظر قرارك.
• ولست حرًّا في الهروب من كل قرار لأنك تخاف المسؤولية.
• بل أنت حرّ لأنك تختار بوعي، وتتحمّل نتائج قرارك بثقة ونضج.
نحتاج أن ننشر هذا المفهوم بين الشباب والطلاب والعاملين والوالدين، نحتاج أن ندرّب أنفسنا على اتخاذ القرارات في الأوقات السهلة، حتى نكون مستعدين عندما تشتد الظروف.
وفي الختام، الاختيار الواعي ليس رفاهية، بل مهارة حياتية، وحين نتقنها، نُصبح أهدأ، أصدق، وأكثر توافقًا مع ذواتنا.
طارق القرني