تقارير

الإدارة تبدأ من الميدان: حينما يلتقي المسؤول بالمواطن

المصدر

إن الإدارة الفعالة ليست مجرد توقيع على الأوراق أو حضور الاجتماعات داخل مكاتب مكيفة؛ بل هي التماس مباشر مع نبض الواقع. يمكن لمحافظي المحافظات أو أمين أمانة البلدية أن يحققوا تحسنًا جذريًا في الخدمات لو خرجوا من مكاتبهم وعاينوا بأنفسهم الناس والمشاريع والأحياء والطرقات. هذه الخطوة ليست رفاهية، بل ضرورة لضمان فهم شامل للمشكلات التي يعاني منها المواطنون.

من داخل المكتب، تبدو كل الأمور هادئة ومنظمة، وربما تُكتب التقارير بلغة متفائلة تشير إلى تحسن مؤشرات الأداء. لكن الواقع الميداني مختلف تمامًا. هناك شوارع تحتاج إلى صيانة، مناطق تفتقر إلى إنارة، وأحياء تعاني من سوء إدارة النفايات. رؤية هذه المشكلات عن قرب تمنح المسؤول فهمًا أعمق لحجم التحديات، وتساعده على اتخاذ قرارات قائمة على حقائق ملموسة بدلاً من بيانات مكتبية.

النزول إلى الميدان ليس مجرد جولة سريعة أمام الكاميرات. إنه التزام بمعاينة التفاصيل الصغيرة التي غالبًا ما تُهمل. فعلى سبيل المثال، قد لا تظهر مشكلة المياه المالحة والبالوعات المسدودة أو الإضاءة المعطلة في التقارير الرسمية، لكنها من القضايا التي تؤرق حياة المواطنين. إذا تجول أمير المنطقة أو المحافظ في أحياء المدينة، سيتحدث مع الأهالي، ويسمع منهم مباشرة، ويدرك أهمية هذه التفاصيل التي قد تبدو بسيطة لكنها تحمل أثرًا كبيرًا على جودة حياتهم.

التواجد الميداني لا يُحسن فقط من جودة الخدمات، بل يرسل رسالة قوية للموظفين والمواطنين على حد سواء. عندما يرى الموظف رئيسه يتحرك ويهتم بالتفاصيل، تزداد احتمالية أن يبذل جهده لإحداث فرق. وعندما يرى المواطن اهتمام المسؤول بمشاكله، يشعر بالثقة في قدرة الإدارة على تحقيق تغيير إيجابي.

يُقال إن الإدارة الناجحة هي التي تعيش بين الناس، وتُدرك أن المناصب ليست امتيازًا بل أمانة. الأمير أو المحافظ الذي يتجول في الشوارع يرى أثر قراراته على الأرض. إنه لا يعتمد فقط على تقارير مرؤوسيه الوردية، بل يصبح شاهدًا بنفسه على النجاحات والإخفاقات. في المقابل، الجلوس الدائم في المكتب يُبعد المسؤول عن الصورة الحقيقية، ويجعله عُرضة لاتخاذ قرارات قد تزيد الفجوة بين المواطن والإدارة.

لعل أجمل ما يحققه النزول إلى الميدان هو شعور المواطن بالشراكة مع المسؤول. فعندما يقف الأمير أو المحافظ أمام مشكلة معينة، قد يجد حلولًا مبتكرة يقدمها الأهالي أنفسهم. بهذا، لا يصبح الإصلاح مجرد مسؤولية فردية، بل جهدًا جماعيًا تتضافر فيه الجهود لتحقيق المصلحة العامة.

الإدارة ليست وظيفة بيروقراطية بقدر ما هي ممارسة ميدانية. خروج أمراء المناطق ومحافظي المحافظات من مكاتبهم والتجول في الأحياء والطرقات باستمرار، وليس في السنة حسنة، هو المفتاح لتحسين الخدمات وبناء جسور الثقة مع المواطنين. الحركة على الأرض ليست مجهودًا إضافيًا، بل هي جزء أصيل من واجب كل مسؤول، لأن الواقع لا يُمكن فهمه بالكامل من خلف الزجاج.

ثامر الغامدي

عن مصدر الخبر

المصدر

Editor

Ads Here