الغذامي: الحداثة عند (أدونيس) ما ابتدأ منه وانتهى عنده
الناقد الدكتور عبد الله الغذامي قال: مشكلة أدونيس المعرفية أن الحداثة عنده غاية قصوى تبدأ منه وتنتهي عنده، وقوله عن غياب الحداثة الحقيقية اليوم عربياً يعرّي هذا الإشكال لديه.. إذ ما الحقيقي هنا وما هو غير الحقيقي، وهل شعرية أدونيس حقيقية وشعريات غيره غير حقيقية، وهل ما يفترضه أدونيس عن عدم وجود حداثة هو حالة انغلاق يفسرها عجزه عن الدخول إلى (ما بعد الحداثة)، والحق أنه لا يصح معرفياً أن نتكلم عن حداثة واحدة وهذا هو الخلل المنهجي لدى أدونيس؛ فالحداثة حداثات وليست حداثة واحدة وهذا التعدد المفاهيمي يفضي بالضرورة إلى مابعد الحداثة حيث التعددية عوض التفردية، كل هذه إشكالات أولية تستوجب أن نقف على مفاهيميةٍ تخص نظام تفكيره؛ إحداها أن أدونيس ينطلق دوماً من مقولات قطعية غير تفاوضية فهو مثلاً يقطع بعدم شعرية شوقي والجواهري، وكذلك ينفي الشعرية الجماهيرية ومن ثم ينفي ذائقة الجمهور المتلقي للشعر، وتبعاً لهذا يقلل من نزار قباني ومحمود درويش كونهما يحظيان بقبول جماهيري، والأخرى أن مقولاته تتمركز حول الذات ويحصر الشعرية فيه وفي أتباعه السائرين مساره، مع أن شعريته منغلقة على طبقية ثقافية تجعل (الشاعر فوق الشعر) حسب جملته المشهورة والمركزية في خطابه، فهو يقف عند الذات وليس عند القيمة، وهذه خاصيةٌ تجعله غير منفتح على التحولات، ومنها أننا في حقيقة الحال نعيش مرحلة ما بعد الحداثة، وأي كلام عن الحداثة لا بد أن يأخذ بالاعتبار بأن الحداثة أصبحت قدامةً مالم تخطُ باتجاه الانفتاح الذي يقوم على التعددية الثقافية وذوبان الفروق النخبوية، بينما صيغة الحداثة التي سادت قبل عقدين هي المركزية الفحولية كما هو أدونيس على نقيض حالة محمود درويش مثلاً الذي كان إنسانياً منتمياً للمهمش ومن لا صوت لهم، فيما ظل أدونيس متعالياً ومنحصراً في ذاته المتفردة حسب تصوره لهذه الذات، وحين ينفي الحداثة فهو يريد إزاحة الآخرين فحسب، وفي الوقت ذاته يعجز عن رؤية المتغيرات الكبرى في أنظمة التفكير ذاته وتحول الوعي من (ثقافة المجاز إلى ثقافة الإنجاز)، وفي ذلك تحولات نوعية كبرى لا تحصر التقدمية بالشعر وحده كما يفعل أدونيس، وعندنا مثال حي في المملكة رؤية ٢٠٣٠، وهذا نموذج بارز على مرحلة ما بعد الحداثة وعلى التعددية وذلك يعني تجاوز مرحلة اللفظ إلى مرحلة المعنى، ولكن أدونيس غائب عن هذا التحول مع أنه زارنا ورأى التحولات الكبرى عندنا، وكذلك فهو يزور الإمارات كثيراً كثيراً، ورأى عياناً حجم التغير الضخم في أنظمة التفكير وأنظمة الرؤية، ولكن المشكل هو في انحصار الميزان عنده في الشعر فحسب ثم في شعرية محددة بمركزية الذات وليست موضوعية الشعر.
وحين عرضتم علي قوله هذا لم أستغرب منه هذا القول، وكم تمنيت لو أن مشروع المناظرة بيني وبينه قد تحقق العام الماضي (2023) حين أتى للرياض، وقد وافق هو على الفكرة وكرر موافقته كما ذكر لي الدكتور محمد حسن علوان، ولكنه اعتذر وطلب أن يخطب في الجمهور هو وحده متفرداً ومتجنباً للمناظرة، والدكتور علوان هو من اقترح فكرة المناظرة وتابع موضوعها معي ومع أدونيس وأخذ موافقتنا معاً إلى أن جاء اعتذار أدونيس في آخر اللحظات، وكنت أنوي فقط محاورته بالخلق الذي يليق بشروط الضيافة وشروط أدب الحوار وشروط الخلق العلمي ولم أفكر بإحراجه ولا بتحديه، ويبدو أنه تخوف من مغبات المواجهة مع أني التقيت معه في أبوظبي في ديسمبر 2022 بترتيب من الدكتور علي بن تميم وجلسنا جلسات رائقة ولم يلقَ مني غير الحوار العلمي، وذكرت له أن النقد الثقافي ليس عدواً له كما كان يتصور، ويكفي أني وقفت على أبي تمام والمتنبي ونزار قباني (وأدونيس معهم)، ولا شك أبداً باحترامي لأبي تمام والمتنبي ونزار فكيف إذن أخرج عن وقاري العلمي وأسيء لأدونيس فرضاً، وقد فرح بجملتي هذه تحديداً.
ولعله فهم المناظرة بمعنى المواجهة، في حين أني أرى المناظرات العلمية بمعنى المحاورة وعرض الأفكار فقط دون مجاملة إنما بعلميّة تفي حقوق العلم وحقوق أدب الحوار.
والمناظرة على أي حال لن تضر أدونيس مهما كانت حالها ولن تضرني أيضاً وكلانا غني عن صاحبه، لكنها كانت ستكون ذات فائدة علمية بما أنها ستضع النقاط على الحروف وتوضح المفاهيم والنظريات النقدية التي ظل يتوجس منها، وهذا ليس افتراضاً ولكنه مدعومٌ بمثال عملي كلانا نعيه وكان واضحاً في لقائنا في أبو ظبي. ولو تيسر وقابلته ثانيةً فسيكون أول سؤال ٍلي له بعد السلام هو لماذا تهرْب عن المناظرة بيننا بعد أن وافق عليها وتم ترتيبها بناءً على موافقتنا معاً.