هل تنقص سوريا الحرائق؟
د. حسن مدن
تحار كيف تواسي أشقاءك السوريين، وبينهم الكثير من الأصدقاء والمعارف، وأنت تتابع ما ينشرون من صور مخيفة ويكتبون من كلمات موجعة جراء الحرائق الهائلة التي اجتاحت مناطق شاسعة في محافظات الساحل السوري.
هل ينقص بلد مثل سوريا المنكوبة بالحرب وتداعياتها التي نعرف، من موت وتهجير وفقر، وتدنٍ في الخدمات، ودمار في البنية التحتية، حرائق كتلك التي اندلعت فيها قبل يومين، ووقع نتيجتها ضحايا بين موتى وجرحى، ناهيك عن الدمار الكبير الذي ألحقته بالغابات؟ سيدة سورية مصابة بالفزع من هول ما رأت بعد أن قطعت رحلة خطرة وسط اللهيب، قالت للصحفيين: «الضيعة كلها احترقت»، مضيفة أن الحرائق مفتعلة.
«ضيع» أخرى أحرقت لا ضيعة المرأة وحدها. مواطنون آخرون أكدّوا القول نفسه، حيث شوهد ملثمون على دراجات نارية غير مألوفة في المنطقة، قبيل اندلاع الحرائق فجر الجمعة الفائتة، وطالت مناطق في أرياف: اللاذقية، وطرطوس، وحمص، ووصلت إلى البيوت بعدما أحرقت الأراضي الزراعية.
ليس المواطنون – الشهود وحدهم من أكدّ ذلك. موقع «آر تي» نقل ما أكدّته مقالة علمية لأستاذ علم المناخ في قسم الجغرافية بجامعة تشرين، رياض قره فلاح، حول صعوبة حدوث الحريق ليلاً بمسبب طبيعي، ولا بد من وجود أيد فاعلة، ويطرح الباحث أسئلة تؤكد استنتاجه بأن جريمة الحرائق التي وصفها بـ «الخيانة العظمى» مفتعلة، ومنها: لماذا لم تشهد سوريا حرائق مماثلة في الفترة منذ 2015 وحتى 2018 وهي التي كانت سنوات حارة جداً جداً؟ ولماذا الآن حدثت هذه الحرائق وفي الليل وفي مناطق متباعدة، وتوقيت متقارب؟
هذا النوع من الحرائق المفتعلة للغابات والمناطق الزراعية ليس جديداً، فالمصابون بهوس المال والربح لا يقيمون اعتباراً لأية قيم، يمكنهم حرق غابات وتجريفها، وزهق أرواح وقطع أرزاق، طالما كانت النتيجة درّ الأرباح في جيوبهم.
لعلنا هنا نستعيد كيف عالج أنطون تشيخوف ذلك في مسرحيته «بستان الكرز». يقول تشيخوف على لسان الثري الجشع مخاطباً المزارعين: «لو قسم البستان وأراضيه الواقعة على النهر إلى قطع لبناء الفيلات وأجّرت هذه القطع، فسوف تحصلون على خمسة وعشرين ألفاً في السنة على الأقل. أهنئكم من الآن».
لم يجد أهالي القرى السورية التي أحرقت من يغويهم زيفاً وكذباً بأرباح مفترضة. أحرقت قراهم في جنح الظلام، من قبل من وصفوا من هؤلاء الأهالي بـ«مافيات التحطيب والتفحيم»، والهدف هو تدمير الأراضي الحرجية وتحويلها لأخرى مؤكدين أن الثروة الحرجية تكاد تدمر في سوريا بشكل نهائي.
madanbahrain@gmail.com