واشنطن والعقوبات
يونس السيد
على مدى أربع سنوات تقريباً، اتبعت إدارة ترامب استراتيجية فرض العقوبات المشددة على خصوم الولايات المتحدة، وبالأخص على من تسميها ب«الدول المارقة»، وهي أكثر إدارة في التاريخ الأمريكي تلجأ إلى فرض هذه العقوبات على هذا النطاق الواسع، لكن هذه الاستراتيجية الصارمة في نظر كثير من المحللين الأمريكيين، لم تحقق النتائج المرجوّة حتى الآن.
وعلى عكس الإدارات السابقة التي كانت تستخدم العقوبات على نطاق أضيق أو ضد أهداف محددة، لا تصل إلى حد إحداث بلبلة في الاقتصاد الكلي تزعزع الحكومات، ووفق ما يقول ريتشلرد جولدبيرج من مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات والمؤيد لهذا النهج المتشدد، نجحت إدارة ترامب عبر استخدام ما يسمى سياسة «الضغوط القصوى» وأداتها المفضلة، العقوبات بالطبع في «إضعاف» قدرات الدول المستهدفة، غير أنها لم تؤد إلى إحداث التغيير المطلوب، إن كان على صعيد تغيير الأنظمة أو دفعها لتغيير سلوكها أو تبديل مواقفها كهدف نهائي.
ويرى بعض المحللين أن ذلك يرتبط ارتباطاً وثيقاً بالسياسة الخارجية الأمريكية والسعي إلى الانخراط في استراتيجية أوسع على المستوى الدولي.
فهناك من يرى أن حصول واشنطن على تأييد الأسرة الدولية في الأمم المتحدة عام 2017 لفرض عقوبات شديدة على كوريا الشمالية، على خلفية برنامجها النووي، دفع الزعيم الكوري الشمالي كيم جونج أون، إلى الجلوس على طاولة المفاوضات وعقد ثلاثة لقاءات مع الرئيس ترامب، إلا أن نزع السلاح النووي الكامل والقابل للتحقق لكوريا الشمالية لم يتحقق حتى الآن. ومع ذلك يبدو الأمر مختلفاً في حالة إيران؛ إذ على الرغم من فرض واشنطن عقوبات على مختلف القطاعات الإيرانية وكثير من الأشخاص والكيانات، فإن انسحاب واشنطن من الاتفاق النووي في 2018، أبقى هذه العقوبات في دائرة «الأحادية»، ما أدى إلى نتائج معاكسة، حيث ردت إيران باستئناف أنشطتها النووية بكثافة.
صحيح أنها أدت إلى خنق الاقتصاد الإيراني، أو كما يقول توماس رايت من معهد بروكينجز، يمكن للإدارة أن تقول: «أضعفنا إيران»، لكنها لم تؤد إلى أي تغيير حقيقي في السلوك الإيراني. وكذلك الحال في فنزويلا، حيث استهدفت العقوبات إزاحة الرئيس مادورو عن السلطة، لكنه لا يزال في سدة الحكم، ويقول رايت إن «ترامب صرف اهتمامه عن الملف حين رأى أن مادورو لن يرحل». والأمر نفسه ينطبق على ما يسمى «قانون قيصر» في سوريا، حيث أدت العقوبات إلى إرباك الاقتصاد المدمر أصلاً بسبب الحرب، لكنها لم تؤد إلى إسقاط الحكم.
غير أن الأمر يختلف في حال العقوبات المفروضة على دول كبرى مثل روسيا والصين، أو التلويح بعقوبات على دول أو شركات أوروبية لأسباب سياسية، أو أخرى تتعلق بالاقتصاد والمنافسة، فدول مثل روسيا والصين لديها اقتصادات كبرى قادرة على التحمل وفرض عقوبات بالمقابل. وبالتالي، فإن السياسة الأنجع للعقوبات ستظل مرهونة بالإجماع الدولي والشرعية الأممية حتى تُعطي نتائجها الكاملة والأهداف التي فرضت من أجلها.
younis898@yahoo.com