الجنسية المصرية في مقابل العقار والدولار
اعتاد المصريون أن يسعوا إلى الحصول على جنسية دولة أخرى، حبذا لو كانت غربية. ذلك أن حلم الهجرة والحصول على جنسية دولة تتسم الحياة فيها بالرفاهية أو التقدم يراود كثرا، منهم من يحققه، ومنهم من يبقى حلما يراوده. لكن أن يسعى الأجانب أو غير المصريين للحصول على الجنسية المصرية، فهذا ما لم يعتده المصريون ما عدا في الحالات التي تحصل فيها الزوجة غير المصرية على جنسية الزوج المصري، وفي السنوات القليلة الماضية، ربما الزوج غير المصري على جنسية زوجته المصرية.
وعلى الرغم من صدور التعديلات التي أقرتها الحكومة المصرية لإتاحة منح الجنسية المصرية في مقابل شروط مالية واستثمارية، فإن الخطوة لا تزال تثير كثيرا من الجدال واللغط في الشارع المصري وحالة من الشد والجذب بين المصريين.
يشعر البعض بالغيرة على جنسية بلادهم، ويحس البعض الآخر بقلق تجاه من سيحصلون على الجنسية، في حين لم يحسم بعض المصريين موقفهم لأن الموضوع جديد عليهم. ولطالما اعتبر الجميع أن الجنسية المصرية لا تباع ولا تشترى ولا تقدر بمال، وإن من يحصل على الجنسية يتمتع بالحقوق والواجبات كلها وبذلك سيكون مزاحما لهم في حياتهم بمصر. لكن الحكومة المصرية لم تقدم على هذه الخطوة من فراغ، وإنما لتحقيق انتعاش اقتصادي في وقت يعاني الاقتصاد من أزمات حادة كسائر بلدان العالم.
مبررات إصدار قانون الجنسية
المبررات المعلنة لإصدار قانون منح الجنسية المصرية وتعديلاته، هي اعتباره محفزا للاستثمار يُمنَح إلى الأجانب في مقابل استثمار أموال بالدولار والعملات الأجنبية المماثلة، بطرق مختلفة، بهدف زيادة تدفقات رؤوس الأموال الأجنبية، من خلال زيادة التسهيلات المقدمة إلى الأجانب للحصول على الجنسية المصرية، على غرار تجارب عدد من الدول الأجنبية الكبرى. الهدف الأول هو الأجانب والعرب المقيمون في مصر من سوريا واليمن والعراق وغيرها من الدول التي انهارت اقتصاديا بهدف تسهيل أعمالهم. وتوفر العديد من دول العالم الحصول على الجنسية في مقابل الاستثمار في القطاع العقاري أو قطاعات أخرى.
يأتي ذلك في ظل حراك اقتصادي للبحث عن مصادر تمويل بديلة تهدف إلى دعم الاحتياطي النقدي، وخفض عجز الميزان التجاري، وتخفيف الضغوط على الجنيه المصري، مع ارتفاع سعر الدولار إلى 31 جنيها، وعزوف الاستثمار الأجنبي عن الدخول بقوة إلى السوق المصرية، إلى جانب ارتفاع فاتورة الواردات، وخروج نحو 22 مليار دولار من الاستثمارات الأجنبية من محفظة الأوراق المالية، أو ما يُسمَّى بالأموال الساخنة، التي تُسدَّد من دون أي تأخير، لكن الآونة الأخيرة بدأت تشهد عودة بعض من هذه الأموال وإن في شكل تدريجي.
منذ أن أعلنت الحكومة القرار في مارس/آذار الماضي، برزت سجالات وتغريدات وهاشتاغات بين مؤيدين ومعارضين، فالقرار أثار ردود فعل كثيرة، إذ لم تكن الجنسية في السابق حقا يُكتسَب بعد إقامة أجنبي في مصر لفترة محددة، وإنما هي حق سيادي تمنحه الدولة المصرية إلى من يستحقه. وتباينت ردود الأفعال، فهناك من اعتبر أن القرار سيزيد الدخل الوطني بالعملات الأجنبية في شكل كبير وأنه موجه إلى مستثمرين في حاجة إلى الجنسية ليستطيعوا استملاك العقارات، بينما رأى البعض أن القرار ليس الحل الأمثل لخروج مصر من أزمتها، ولا سيما وسط تردي الأوضاع الاقتصادية العالمية وتداعياتها على مصر، والزيادة السكانية التي تستنزف موارد الدولة، إذ أن مصر هي البلد الأكثر سكانا في العالم العربي.
يندرج القرار في إطار سعي الحكومة المصرية إلى جذب الأموال الأجنبية من المقيمين في مصر، سواء من اللاجئين الليبيين والسوريين واليمنيين والأفارقة وغيرهم ممن لديهم مشاريع مختلفة في مصر وغير حاصلين على جنسيتها فيتعرضون إلى مشاكل في الإقامة، وفي الوقت ذاته يستهدف المساعدة في إنعاش اقتصاد البلاد نظرا إلى ما تواجهه من مطالبات لتسديد الديون وفوائدها.
وتأتي تلك الخطوة بعدما قررت الحكومة إعفاء سيارات المقيمين في الخارج الراغبين في نقلها إلى مصر من الرسوم والجمارك في مقابل تسديد مبلغ نقدي بالعملة الأجنبية، يحوَّل من المغترب لصالح وزارة المالية المصرية، على أن يسترد صاحب السيارة المبلغ بعد خمس سنوات من تاريخ التسديد بالعملة المحلية بسعر الصرف المعلن وقت الاسترداد. وتأتي أيضا بعد إصدار شهادات استثمار دولارية بفائدة مرتفعة، في محاولة لجذب أموال المغتربين المصريين في شكل أساسي، إلا أن الإصدار لم يؤتِ ثماره المرجوة.
الجنسية عبر الاستثمار والعقار
يُذكَر أن العــــديد من العرب يميلون إلى شراء جنسيات أخرى والتحرك عبر الحـــــدود والتفكير في إعــــادة تقييم حـــــياتهم في بلدانهم، جراء الحروب والإضطرابات الــــــسياسية التي خلفـــــت لاجئين بالملايين في أنحاء العالم كلها، ما دفع كثيرا من العائلات الغنية إلى التفـــــكير في تأمين مستقبلها بشراء الجنسية أو الإقامة في بلد آخر. وتسمح بعض الدول الأوروبية بالحصول على الجنسية من طريق الاستثمار، وهناك دول أوروبية تقدم الإقامة فقط في مقابل الاستثمار مثل اليونان والبرتغال.
كذلك تمنح جزر البحر الكاريبي الجنسية إلى المستثمرين في مقابل ضخ أموال في خزانة الدولة، وهذا إجراء عالمي معروف باسم “الجنسية عبر الاستثمار”، ويجري ذلك من خلال برامج قانونية منظمة من قبل حكومات الدول المانحة للجنسية. وتقدم جزر الكاريبي (سانت كيتس – جزيرة نيفيس – أنتيغوا وباربودا – سانت لوسيا – وجمهورية الدومينكان – غرينادا) الجنسية في مقابل دفع مبالغ تبدأ بمئة ألف دولار وتصل إلى مليونين أو ثلاثة ملايين دولار. ويختار المستثمر أحد الأساليب التي تؤهله للحصول على الجنسية، فإما أن يقوم بالتبرع المالي إلى الحكومة المانحة من طريق شراء سندات حكومية، أو يقدم مساهمة في صندوق الدولة (لاستخدامها في تحسين اقتصاد البلد أو البنية التحتية أو تطوير قطاعات معينة)، أو يختار الاستثمار في شراء العقارات كوسيلة لإنعاش السوق. ويستطيع المستثمر الحصول على الجنسية خلال مدة تتراوح بين ستة أشهر و12 شهراً. وتوفر الدول الأوروبية وغير الأوروبية المانحة للجنسية من طريق الاستثمار الميزات كلها التي يتمتع بها مواطنوها للمستثمرين الجدد، فتمنح صفة المتجنس، وتفتح الأسواق واسعة، وتقدم خدمات تعليمية وصحية لعائلات المتجنسين، وتمكنهم من السفر إلى أكثر من 130 دولة بجواز السفر الجديد، وفق شركة “سيتيزنشيب إنفست” في دبي.
الجنسية بالأرقام
يُشَار إلى أن مجلس النواب المصري أقر عام 2018 تعديلات على قانون الإقامة والجنسية فباتت السلطات تمنح الإقامة إلى الأجانب المقيمين من خلال وديعة، وتمنحهم الجنسية بعد خمس سنوات من إيداعها، على ألا تقل الوديعة عن سبعة ملايين جنيه أو ما يعادلها بالعملة الأجنبية. وأصدرت الحكومة المصرية أخيرا قرارا تنفيذيا الرقم 876/2023 يجيز لرئيس الحكومة المصرية منح الجنسية إلى الأجانب في مقابل شراء عقار أو الاستثمار أو إيداع مبلغ قابل للاسترداد أو وديعة غير قابلة للاسترداد مع استحداث وحدة داخل مجلس الوزراء لفحص طلبات التجنيس.
وخُفِّض المبلغ المطلوب دفعه في مقابل شراء عقار مملوك للدولة من 500 ألف دولار عام 2019 إلى 300 ألف دولار، مع إمكان تقسيط المبلغ خلال سنة، ينال خلالها الشاري إقامة سياحية حتى اكتمال تسديد المبلغ. بالنسبة إلى المشاريع الاستثمارية، فبدلا من المساهمة بمبلغ 400 ألف دولار أصبحت المساهمة تساوي 350 ألف دولار، على أن يودع في الخزانة العامة مئة ألف دولار غير قابلة للاسترداد. أما الودائع فبدلا من إيداع 750 ألف دولار لمدة خمس سنوات أو مليون دولار لمدة ثلاث سنوات أصبح المبلغ 500 ألف دولار يُودَع لمدة ثلاث سنوات ثم يُسترَد بعدها بالجنيه المصري بسعر الصرف في ذلك الوقت ومن دون فوائد.
للجم المخاوف، أنشأت الحكومة وحدة لفحص طلبات التجنيس، تتبع رئيس الوزراء، وتضم في عضويتها ممثلين عن وزارات الخارجية والداخلية والاستثمار والتعاون الدولي والجهات الأمنية المعنية، وتتولى الوحدة فحص طلبات التجنيس وبتها بصفة مبدئية خلال ثلاثة أشهر من تاريخ التقدم بطلب الحصول على الجواز المصري وفق ما نشرته الجريدة الرسمية للدولة.
ليست حلا اقتصاديا
بين طموحات الدولة وبطء عودة الاستثمارات الأجنبية والسياحة إلى مصر، تضاربت الآراء والتعليقات والمواقف منذ إعلان منح الجنسية المصرية. ولم يرحب عدد ممن استطلعت “المجلة” آراءهم بالفكرة.
وصف الدكتور فخري الفقي أستاذ الاقتصاد في كلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة، مساعد المدير التنفيذي السابق في صندوق النقد الدولي، رئيس لجنة الخطة والموازنة في مجلس النواب، التعديلات الخاصة لمنح الجنسية المصرية للأجانب بانها ليست الحل لخروج مصر من أزمتها، وقال لـ”المجلة” إن “الحصيلة المستهدفة والمتوقعة لن تؤتي ثمارها كما يأمل بها من وضعوا هذا الاقتراح، لأن الظروف العالمية وتداعياتها على دول كثيرة غير مواتية لجذب الأجانب والعرب للحصول على الجنسية في ظل الأزمة الطاحنة”.
وألمح الفقي إلى قوانين بعض الدول العربية التي لا تسمح بازدواج الجنسية، لافتا إلى أن ليس أمام مصر إلا تحسين مناخ الاستثمار لجذب استثمارات عربية وأجنبية مباشرة، فهذا يُعَد البوابة الأوسع والوحيدة للحصول على عشرات المليارات من النقد الأجنبي من خلال الإنتاج والتصنيع بغرض التصدير، إضافة إلى مزيد من التيسير للقطاع الخاص المصري والعربي والأجنبي.
وتوقع الفقي ألا تحدث تعديلات الجنسية أي أثر إيجابي في الوقت الراهن، لان الأجنبي ليست لديه فرصة مغرية في مصر حيث أن الفترة الحالية ليست فترة رواج اقتصادي، داعيا إلى التركيز على القيمة المضافة التي يوفرها الاستثمار الأجنبي. وأشار الفقي إلى أهمية البرنامج الطموح الذي تأخرت الحكومة في عرضه على المستثمرين ويندرج من ضمن برنامجها لطرح ما يزيد على 40 شركة أمام المستثمرين قريبا، بدءا بشركتي “وطنية” و”صافي”.
وعارض المحامي الدولي ومستشار رئيس هيئة قناة السويس خالد أبو بكر الفكرة وكتب عبر صفحته على مواقع التواصل الاجتماعي يقول: “سأظل ضد منح الجنسية في مقابل أموال، ويكفي لأي مستثمر منحه الإقامة الدائمة هو وأسرته”. واتفق المهندس مجدي قيصر مع أبو بكر في الرأي، وقال: “لا توجد أي ميزة للجنسية المصرية مغرية للأجانب أو العربي إلا تقييد الحرية”.
لكن البعض، ومنهم سلوى ستيفن، 58 سنة، يرون عكس ذلك، وقالت: “إن كثيرا من شعوب العالم، حتى تلك التي تتمتع برغد العيش في بلدانها، تسعى إلى الحصول على جنسيات أخرى، فإذا حدث أي توتر سياسي أو قامت حروب أو تعرضت بلدانهم إلى أي كوارث طبيعية يستطيعون الانتقال إلى دولة أخرى، ليس كلاجئين بل كمواطنين لهم كل الحقوق”. ورحبت في حديثها لـ “المجلة” بهذه الخطوة واعتبرتها فرصة لضخ استثمارات جديدة في شرايين الاقتصاد المصري، وهي في الوقت نفسه تركز على رجال الأعمال العرب المقيمين في مصر من أصحاب المشاريع المهمة التي توفر فرص عمل لأعداد هائلة من المصريين.
وألمح رضا شوقي، المخرج في التلفزيون المصري، إلى”أن الحصول على جنسية دولة أخرى ليس بدعة أو اختراعا مصريين، لكنه موجود في دول أخرى لديها عناصر جذب للوافدين”. وعن عناصر الجذب التي يمكن أن تقدمها مصر إلى الأجنبي لكي يدفع آلاف الدولارات للحصول على الجنسية، قال شوقي لـ “المجلة” إن “مصر لديها مصادر مهمة للحصول على النقد الأجنبي، ومنها السياحة والآثار وجذب السينما العالمية لتصوير الأفلام في مصر بدلاً من الرفض المستمر لذلك”.
سوري يتمسك بجنسيته
ويعتز محيي عبد الغفور بجنسيته السورية وقال إنها غالية عليه ولا يريد أن يحصل على غيرها، على الرغم من أنه يعيش في القاهرة منذ عام 1989 ويعمل مديرا لاحد مطاعم الشاورما السورية في ضاحية مصر الجديدة، مستبعداً الحصول على جنسية ثانية ومؤكدا توفر الجنسية التركية له لكنه رفضها. وقال إنه يعيش في مصر منذ 34 سنة ويمتلك عقارات ويحصل على الإقامة سنويا من دون أي عراقيل هو وزوجته مع اثنين من أبنائه، ويعتبر مصر “أم الدنيا” فلماذا يحتاج إلى جنسيتها “وهي الأم التي تفتح ذراعيها لكل المهاجرين واللاجئين وتعاملهم كمواطنين لهم حقوق وواجبات وفتحت أمامهم الأنشطة الاقتصادية كلها من دون أي عراقيل”.
وشن آخرون حملات في عدد من الصفحات عبر مواقع التواصل الاجتماعي حرصوا فيها على التعامل في شكل سلبي جدا مع طرح الجنسية المصرية على المستثمرين الأجانب، وتبين أن الصفحات وراءها جماعة الإخوان المسلمين ومتعاطفين معهم.
مارسيل نصر – المجلة