مجموعة لورا القصصية.. قراءة مواقف وصدامات
قراءة في مجموعة لورا القصصية
مواقف وصدامات غير متوقعة
أعترف أنني لست منجذباً لهذا النوع الأدبي من الكتب، لكن بعد قراءتي واكتشافي لهذه الموهبة الأدبية قد تغير رأيي وأتمنى أن يصدر إصدار جديد للكاتب لكي أقرأه، وهو عبارة عن مجموعة قصصية تحت عنوان “لورا” للكاتب السعودي سعد أحمد ضيف الله، صادرة عن مركز الأدبي العربي للنشر والتوزيع بالدمام 2020، فأشكره كثيراً على هذه المجموعة الهادفة. المجموعة كل قصصها رائعة، وفي نهاية كل قصة عندما أنتهي من قراءتها أتوقف لبعض الوقت وأفكر في المغزى والمعنى والرسالة التي يريد إيصالها الكاتب للقارئ.
القصة الأساسية التي في المجموعة وهي تلخص ما يستفاد منه، حول السبب الذي ينوي الإنسان أن يسعى إليه، لكنه فجأة يرى أن هناك سبباً آخر أكثر أهمية يجب أن يطرح بموجب ما عاصره في واقع حياته، بمعنى أن يتخلى عن اتجاه معين قد يكون أقل أهمية من اتجاه آخر أكثر فائدة للإنسانية.
لورا تحمل ذات العنوان لأحد القصص في هذه المجموعة الشيقة، هناك رجل يعمل على كتابة رسالة الدكتوراه، فيسافر إلى إيطاليا كي يخلو بنفسه ويكتب التقرير الأخير لبحثه الذي أوشك على النهاية، لكنه يصادف أحداثاً تجعله يحيد عن كتابة رسالة الدكتوراه الحالية، ويقوم بتغيير فكرة الدراسة إلى مسار آخر لم يكن يتوقعه بعد ما واجه أحداثاً بين فتاة وشاب يعملان في نفس الفندق الذي كان يسكن فيه، فيكون وسيطاً لهذه العلاقة التي كان يشوبها شيء من المصالح من قبل الشاب ومظلومية تجاه الشابة التي وقفت وساندت في حياته، بينما الأنظمة السائدة جعلت من الشاب يتمرد على الفتاة ولا يود الارتباط بها حيث أن الزواج يخفف من ميزان كفته ويميل إلى كفة المرأة، فيلجأ إلى أن تكون علاقتهما سطحية تأخذ شكل الصداقة بدلاً من الارتباط الشرعي كي لا يدخل في دوامة القضايا غير المنصفة للرجل والمرجحة لكفة المرأة، بينما المرأة كانت تحلم أن يكون الارتباط شرعي لتكوين أسرة صغيرة في هذه الحياة. فيتغير نهج “ياسر” القادم من السعودية ويغير مسار رسالته ليكتب عن هذه القضية التي توصف بالمعضلة في الغرب، والتي بدأت تنتشر في أنحاء العالم، وتواصل مسيرها نحو العالم العربي.
المجموعة تحتوي على ثمانية وعشرين قصة، في مجملها تتحدث عن القضايا الاجتماعية والأسرية وبعض المواقف التي يتعرض لها الأفراد التي تجعل الإنسان محتاراُ في اتخاذ قرار مناسب حولها، كقصة “نوعام” وهو شاب يهودي صادفه شاب سعودي في روما، وكان يسكن في الغرفة المجاورة له في نفس الفندق، حين بدأ التعارف بينهما، صدم الشاب السعودي بهذه الشخصية والتي سوف تولد تنافراً بينهما حينما يعرف كل منهما جنسية الآخر، فما كان منه إلا أن حاول التصدد عن مقابلته، بعدم الخروج إلى الشرفة لمواجهته، وكذلك في البهو أو مطعم ومقهى الفندق، لكن الظروف تحول دون ذلك، فيتصادفان في كل حين، وتلتقي العينان فيضطر كل منهما أن يرحب ويحيي الآخر إجباراً، فيتكون منولوج داخلي للشاب السعودي فيتعكر مزاجه في هذا السفرة التي كان يود أن يقضيها بسلام، وأبدى عذراً للآخر كذلك بأنه قد يكون تسبب في شرخ رحلة ذلك الشاب القادم للصفاء النفسي.
هذا مقتطف من قصة نوعام:
“كان علي أن أخفي ذهولي إذ لمحت الوسم على قميصه، أخذت أردد في نفسي: ماذا سيكون ردة فعلي لو قال لي من أين أنت؟!. إذن يتحتم عليّ أن أغلق باب الشرفة جيداً عند النوم وحال خروجي، فليس ثمة مسافة تفصل بين شرفتينا، مسافة متر ونصف كافية إن وثب فسيكون أمامي في لحظة..”
هذا المغزى الرائع في هذه القصة أن الإنسان يصعب عليه أن يتخذ قراراً سريعاً في مواقف شبه مصيرية، ويبقى في دوامة إيديولوجية تاريخية تحكي تصادم بين الشعوب، ومصائر أفراداً مغلوب على أمرهم حين يلتقون في مناحي الحياة، والتي لا ترتضيها للإنسانية في الغالب، وتعارض ما تقوم بها حكوماتها من بطش وإلغاء الآخر. يتداول النقاش أخيراً بينهما ويعترف كل منها للآخر تجاه هذه القضايا، وكانا منصفين للسلام والحرية للآخر.
كل قصة من هذه المجموعة القصصية فعلاً رائعة وتحتاج إلى قراءة منفردة والوقوف عند مغزى ورسالة كل منها وقفة جادة ودراسة متأنية لما فيها من أحداث ومواقف تستحق أن تناقش.
عصام حمزة فياض
عمان – الأردن