أحمد مالك وويجز في كوميديا عبثية تخلط تريندات اليوم بموسيقى وبسكويت التسعينيات
يظهر الممثل الكوميدي "سليمان عيد" في مسلسل "بيمبو" في دور جاد يبدو فيه موظف تسعينياتي متواضع الهيئة في منتصف العمر، وهو يحمل الاسم الحركي "شمعدان"، ونفهم أنه يعمل لحساب شخصية غامضة تُدعى "الحاجًة"، ويدير مكان يًسمى الكُشك، وتحت إمرته مجموعة شباب تروج المخدرات لحساب "الحاجًة"، وحينما تتأزم الأمور نراه يًطلق النار بكثافة من مُسدسيه كأنه "كيانو ريفز" في سلسلة أفلام John Wick، ويتفادى طلقات الرصاص برشاقة "كيانو ريفز" أيضاً في سلسلة أفلام The Matrix. هذا الشكل المُتناقض الساخر القريب من كوميكس الأكشن هو مُفتاح من مفاتيح المسلسل.
في عام 2008 قدم ثلاثة من الشباب المغمورين فيلم بعنوان "ورقة شفرة"، وهو عمل كوميدي ساخر عن خريطة كنز قديم وشفرة غامضة عليهم حلها للوصول إليه، وإعتمد الفيلم على قصة بسيطة وسطحية لكن السيناريو الذي كتبه بطلا الفيلم "هشام ماجد" و"أحمد فهمي" كان هزلياً ومُختلفاً عن شكل الكوميديا السائد؛ ولهذا لقى الفيلم نجاحاً نسبياً من جمهور الشباب الذي يُمارس في حياته اليومية نوعية من السخرية والتهكم على كل شىء، وله شفرة خاصة لا تفهمها الدراما التقليدية، وكان (ورقة شفرة) إنتاج 2008 بداية تواصل درامي بين السينما وثقافة جيل الألفية الثالثة. تجربة الثلاثي "هشام وفهمي وشيكو" أصبحت تلعب على تلك النوعية من السرد الساخر والموضوعات الغريبة العبثية؛ مثل العودة إلى زمن السبعينيات (سمير وشهير وبهير)، أو تحول ثلاث شقيقات إلى رجال (بنات العم)، ولكم ما علاقة كل هذا بمسلسل "بيمبو"؟
العلاقة الأهم هي محاولة الدراما استلهام ثقافة الجيل الجديد وهو هنا تجميعة تريندات تجمع بين نوستالجيا أغاني واكسسوارات ومنتجات كانت شائعة في التسعينيات، مضافاً إليها ظهور ضيوف شرف من المشهورين على اليوتيوب والسوشيال ميديا، وأيضاً الإغراق في تلوين الدراما بتفاصيل بصرية مُتناقضة لخلق نوع من الكوميديا العبثية؛ مثل إستخدام موسيقي أغاني خفيفة وراقصة ومرحة أثناء مشاهد العنف والقتل؛ أو المبالغة في أداء الممثلين بصورة مُتعمدة تصل حد الكاريكاتورية؛ مثل شخصية "محمد لطفي"، المافيا الذي يُمارس كل العنف والإرهاب وهو يغني بصوت أجش أغنية حالمة ورقيقة مثل What a Wonderful World، ولكن العبث لا يتوقف عند تلك الافيهات الكوميدية، بل هو جزء أصيل من البناء السردي البصري والسمعي للعمل.
بيمبو هو ديلر شاب يؤدي شخصيته الممثل "أحمد مالك"، وهو شاب ذكي، ومرح أحياناً، ولديه بعض قدرات شيرلوك هولمز في تحليل التفاصيل الدقيقة، وهو يؤكد دائماً أنه أكبر من كونه مجرد ديلر، وهو على جانب أخر غامض وقاتم ولديه ماضي يجعله كئيباً في أغلب الأحيان، ونراه يتعاطى المخدرات أحياناً ويدخل في نوبات هذيان طويلة على الشاشة، ويدخل في نوبة من سوء الحظ بعد سرقة حقيبة المخدرات والنقود التي يحملها؛ بالإضافة إلى جريمة قتل شابة تُدعى سونيا، وهى صديقة (هدى المفتي) الفتاة التي يُحبها يُحبها "بيمبو" رغم انه مجرد الديلر الذي يجلب لها وشقيقها المُخدرات، وكجزء من الغرائبية فهو صديقهما، ويقضي بصحبتهما كثير من الوقت.
تتحرك شخصية "بيمبو" داخل عالم غرائبي من الجرائم والعصابات التي تفتك ببعضها البعض والشباب المُخدر مُعظم الوقت، ويُرافقه صديقة جابر (ويجز في أول أدواره كممثل)، وهو يؤدي دور شاب صعيدي مُخلص يُحاول مُساعدة "بيمبو" على تجاوز مشاكله، وتَسحلنا الحلقات الأولى حرفياً في مغامرات مُشوشة لا نفهم كثير من تفاصيلها إلا في أخر حلقتين تقريباً.
غموض الأحداث لم يكن العائق أمام القدرة على مُتابعة الأحداث بل تفاهة الحبكة نفسها؛ فالمشاهد يتعاطف مع "بيمبو" سىء الحظ، ويتحمل مبالغة الأداء التي تُحاكي مبالغة أداء "أحمد السقا"، لكنه لا يتعاطف مع الجريمة التي يُحاول حل طلاسمها، وبمعنى أدق لا يهتم بها، والشىء الوحيد الذي جعل متابعة مغامرات حل اللغز مقبولة هى العلاقة اللطيفة بين البطل المنحوس وصديقه الساذج "جابر"، وربما يكون أداء "ويجز" لشخصية "جابر" هو المفاجأة، وإنفعالاته الهادئة الساخرة تتماهى مع طبيعة العمل الذي يصنع الكوميديا من خلال تكوين الكادر وتناقضه مع الموقف.
في مسلسل "بيميو" كثير من التفاصيل التي تحتاج تركيز ولماحية؛ فحالة البطل النفسية مثلاً تنعكس على لوجو التي شيرت الذي يرتديه، وهو لوجو سمايل الشهير، وتتغير تفاصيل اللوجو بشكل دائم حسب حالة المشهد، وأيضاً يتم إستدعاء تفاصيل من ثقافة التسعينيات لتكون جزء من تفاصيل الدراما والشخصيات؛ كأن تكون أسماء الشخصيات "بيمبو" و"كيتو" و"الشمعدان" وجميعهم يعملون لصالح "الكُشك"، أو تتحرك شخصية بغموض بكوتشي به لمبات إضاءة تنير أثناء المشى.
تصميم الديكور والإضاءة والتصوير من أفضل عناصر المسلسل من ناحية الشكل، ولكن الأمر كان أقل من ناحية الأداء التمثيلي، وربما ذاب ذلك الأداء السطحي داخل إطار الغرائبية الدرامية والبصرية في حالة الأدوار الثانوية، ولكن الأمر إختلف في حالة أداء بطلة العمل "هدى المفتي" المُصطنع والفاتر، وأداء "أحمد مالك" المُبالغ فيه، وهو أداء لم تكن له خصوصية، رغم أنه قدم سابقاً بشكل ناجح دور صغير من نفس النوعية تقريباً، وهو دور بولوناكي المافيا المُراهق في فيلم (الكويسين).
في المسلسل محاولة واضحة للخروج عن المألوف في أسلوب السرد الدرامي التليفزيوني، وهى مسألة محفوفة بالمخاطر؛ لأنها ببساطة قد تؤدي إلى إنصراف المُشاهدين عن مُتابعة العمل الفني، وربما يكون الأمر أهون في السينما المحدودة بإطار زمني قليل؛ فقد يلجأ مخرج الفيلم خلال زمن لن يتجاوز ساعتين إلى تجريب أساليب مُبتكرة في سرد الحكاية، وسينتهي الأمر بالمشاهدين وقد أحبوا هذا الأسلوب أو نفروا منه.
قد يهمك أيضــــــــــــــــًا :
مقطع فيديو متداول للفنان أحمد مالك يلتقط علبة خلسة من أحد المحلات
طرح الملصق الرسمي لفيلم «حارس الذهب»