كن قائداً محنكاً
مريم البلوشي
سألت نفسي: لماذا ينجح القادة الحقيقيون؟ وكيف هي رؤيتهم في الأمور؟
أجبت نفسي من واقع خبرة: القيادة هي في التفاصيل، وتكمن الأسرار بين السطور..!
القرارات قد تكون لها مظاهر سطحية وهي في واقعها أعماق مخفية متوارية بين الكلمات وبين الملحقات التي لا يعار لها انتباه، تعلم الغرب عنا يوماً أننا لا نقرأ، فسرب الرسائل بين الأوراق المتروكة، ولا تزال لعبة السياسة تكمن فيمن يدرك قيمة القراءة المتأنية للموقف، والتركيز لما يجري، ومتابعة الأحداث والعودة للتاريخ حتى يكون قرار المستقبل متزناً بعيداً عن اللحظة الوقتية وعمر السنوات المتروك بين تغييرات البشر..!
التجربة العملية للكثيرين، ممن اختلط مع ثقافات غربية ومع دول اقتصادية عالمية يدرك كيف أن نجاحهم يكمن في تفاصيل التفاصيل، وأن القادة يبهرونك بمدى جاهزيتهم واستعدادهم الفكري الثقافي المدرك لهذه التفاصيل التي متى ما كان الحوار الدبلوماسي الثقافي، الاقتصادي السياسي، الاجتماعي المجتمعي، أدرك كيف يجيبك ومن أية جعبة يضع أمامك الحقائق..!
الاستعجال لا يأتي بنتائج مبهرة أو مؤثرة، وخوض زمام أمور مصيرية لا يكون إلا بإدراك الخبرة التفصيلية في الأمور، فالقادة الحقيقيون هنا ليسوا مسميات معطاة أو كراسي مبهرة، القادة هنا مؤثرون حقيقيون في مجتمعاتهم بصورة وجودهم الدقيقة في أدق تفاصيل المحيط.
نعم هي الخبرة التي تجعلهم يدركون الأمور في وقت أقل ممن هم يأتون بعدهم، لكن ذلك لا يمنع أنه في هذا العالم لا يوجد علم غير متجدد أو فهم متوقف عند حقبة معينة، فالقائد متجدد، مثقف ومحيط العلاقات حوله هو أحد مصادر قوته، هو من إذا وجد في موقف ما، ومع ثقافات مختلفة أدرك كيف يحاورهم باختلافهم، وإن وجد في نقاشات صعبة أدرك كيف يكون دبلوماسياً محنكاً لا تغلبه الصورة الأولية بل يعطي لكل شيء وزنه، يعرف متى يتحدث ولماذا يتحدث وكيف يتحدث..!
الوجود مع قيم قيادية ستعلمك: ليس المهم أن تتكلم طوال الوقت، المهم متى ما ذكر اسمك أو قيل أو سمع أنك ستتحدث انتبه الجميع؛ لأن ما ستقوله مهم جداً وقد يغير دفة الحديث ويؤثر في قرار ما أو إعادة توجيه الحوار على أقل تقدير، التدريب الذهني الواعي هو خاصية مهمة لمن يريد أن يتكلم أمام محفل دولي أو جمهور محلي، فكل منهم خصائصه وأسلوب الوصول له.
كن قائداً بإدراكك أنها صفة وليست منصباً، أنها ثقافة وليست شهادة، أنها علم ومهارة اجتماعية وليس مظهراً ومظاهر، أنها تفاصيل ودقة وليست عدم جاهزية واستعداد، أنها هوية وشخصية، وليس تقليداً وماركات، أنها وعي وحنكة وليس استعجالاً واستهتاراً. كن قائداً تدرك أن البصمة الحقيقية تبقى في الأذهان وسيقال عنك يوماً «كان محنكاً»!
Mar_alblooshi@homail.com