قصة خل وخردل وخزامى
عبد اللطيف الزبيدي
لمَ لم يجربوا هذه الوصفة القديمة التي يبدو أنها ناجعة؟ الروايات اختلفت، لكن التجارة خرجت بالخل من المولد. قبل أكثر من أربعين عاماً، قرأ القلم طرفة فرنسية: «وصفة اللصوص الثلاثة». في طاعون كان له حصاد فظيع في فرنسا، كثرت شكاوى مخيمات المصابين، من أن ثلاثة شبان كانوا يقتحمون الخيام ويسلبون المرضى كل شيء له قيمة. شددت الشرطة الرقابة واعتقلتهم، تدخل الأطباء في المحاكمة وأرادوا معرفة سبب عدم انتقال العدوى إليهم، مقابل إطلاق سراحهم. قالوا: كنا نستحم بنقاعة من الزعتر والخزامى والبابونج.
راح زمن وجاء زمن كورونا، تذكّر القلم الوصفة، خصوصاً وهو يغني يومياً للزعتر والخزامى والبابونج: «إن مرّ يوم من غير رؤياك، ما ينحسبش من عمري». في البحث العنكبوتي اكتشف خلاً فرنسياً يدعى «خل اللصوص الأربعة». كان يظن أن الطاعون المذكور هو ذلك الذي قضى على ثلث أوروبا (1347-1352). يقال إن ضحاياه في العالم كانوا بين سبعين ومئتي مليون إنسان. الصواب هو الطاعون الذي اجتاح مدينة تولوز الفرنسية (1628-1631)، وقضى على خمسين ألف مسكين. آنذاك اعتقلت الشرطة أربعة شبّان كانوا يسلبون ما يملك التعساء الموبوؤون. الرواية هذه المرة تراجيديا يونانية. قيل لهم: إذا بُحتم بالسرّ الذي حال دون انتقال العدوى إليكم، على الرغم من مخالطة العشرات من المصابين يومياً، فسنخفف العقوبة من الموت حرقاً، إلى الإعدام شنقاً.
كتابة التاريخ لا تخلو من الخيال الروائي، والرواة يُحوِّرون التاريخ. نزار متفائل: «لا وقت لدينا للتاريخ، فنصف حوادثه تزوير». بقية الإبداع في القصص الطاعوني أنه في وباء سنة 1720 في مرسيليا، اعتقل أربعة لصوص على منوال المشاهد السابقة، لكن السلطات أطلقت سراحهم حين باحوا بالأسرار، وأصدرت أمراً بتعليق الوصفة على كل جدران المدينة. هل يمكن حرمان القارئ العزيز من وصفة خلّ اللصوص الأربعة؟ عليك بلتر من خل التفاح، تضع فيه عشرين جراماً من كل واحد من الأعشاب المعطرة التالية: إكليل الجبل، الخزامى، الميرامية، الزعتر، النعناع، وثلاثين جراماً من كل واحد من: مسحوق الخردل، كبش القرنفل، ثلاث سنّات ثوم، و5 ج من الكافور الطبيعي (صعب شوي).
ينقع المجموع أسبوعين ثم يُصفّى ويوضع في قارورة زجاجية. يحفظ في مكان بارد بعيد من الضوء.
لزوم ما يلزم: النتيجة الجنونية: لن يقول عاقل إن للصوص مكانة في تاريخ الطب.
abuzzabaed@gmail.com