د. حسن مدن

يسود انطباع حول تسيّد الرواية للمشهد الإبداعي العربي الراهن، وتراجع مكانة «ديوان العرب»، الشعر. مع ذلك تستوقفنا ملاحظة حول الموضوع طرحها على حسابه في «فيسبوك» الروائي والشاعر العراقي خضير فليح الزيدي، وأثارت نقاشاً شارك فيه زملاؤه العراقيون، من أدباء وكتّاب ومهتمين، ورغم أن الملاحظة تتصل بالمشهد العراقي، إلا أنه يمكن تعميمها عربياً.
يقول الزيدي إن إحصائية سريعة بين طبقات المجتمع العراقي تُظهر تقدّم الشعراء بفارق ساحق على أقرانهم من الأدباء كتاب القصص والروايات، ومعهم فصيل الباحثين المغمورين، فعدد من يعرفون الجواهري والسياب والبياتي أكثر من الأشخاص الذين يعرفون غائب طعمة فرمان وفؤاد التكرلي وفاضل ثامر وعلي جواد الطاهر وعلي الوردي، فلا يوجد طابع بريدي أو تمثال يخلد اسم أحد من هؤلاء.
لا أعلم الحقيقة ما إذا كان أي من شعراء العراق الكبار قد جرى تخليد اسمه بطابع أو تمثال، ولكن ملاحظة خضير الزيدي تظلّ صحيحة، وهو يعزو الأمر إلى أن ثقافة المجتمع ثقافة شعرية، ساهمت بها حتى مناهج الدراسة والمحافل الرسمية والمجتمعية.
ووافقه الرأي بعض من علقوا على صفحته، فأحدهم، مثلاً، عزا الأمر إلى «الطبيعة الانفعالية» للمجتمع، الذي تصبح ثقافته الشعرية متوهجة عادة، فيما يلزم السرد للنمو والتطور أحوال الهدوء والاستقرار، فيما رأى آخر أن الثقافة العراقية شعرية تماماً، وحتى في الرواية العراقية فإن الشعرية تسيطر على السرد أحياناً.
بالمقابل هناك من خالف ملاحظة الزيدي، فأحدهم، وبعد أن استثنى قلّة من الشعراء المبدعين المعروفين، خلص إلى أن قِدم جنس الشعر، وكثرة ترداده جعل منه «حائطاً واطئاً»، سهل التسلق، فيما كتابة نص قصصي جيد تتطلب موهبة أصيلة وثقافة موسوعية وإلماماً بطرائق السرد العالمية العديدة.
وهناك من لم يوافق على وضع عالم الاجتماع الشهير علي الوردي في خانة الأسماء غير المعروفة لدى العراقيين، فاسمه على ما كتب أحد المشاركين «غطى الجميع».
المتابع للمشهد الأدبي العراقي ليس بوسعه إغفال النهضة التي عرفتها الرواية في العقدين الأخيرين على الأقل، حيث صدرت روايات مهمة حققت صيتاً عربياً واسعاً، ما قد يبدد الراسخ في أذهان غير العراقيين خاصة من أن العراق هو بلد الشعراء فقط، وأن مكانة السرد فيه أدنى بكثير من مكانة الشعر.
ولعلّ من أسباب هذا الانطباع أهمية الأسماء الشعرية الكبيرة التي قدّمها العراق، وكان لها شأن كبير في التجديد الشعري العربي، ما جعل صيتها يطغى لا على أسماء الروائيين وحدهم، وإنما حتى من أتى بعدهم من شعراء.

madanbahrain@gmail.com