هل تقع حرب صينية ــ أمريكية؟
حافظ البرغوثي
مر قرابة نصف قرن على تطبيع العلاقات الصينية الأمريكية بفضل دبلوماسية «البنيج بونج» في عام 1971، حيث زار فريق أمريكي بكين لأول مرة تبعتها زيارة الرئيس نيكسون وهنري كيسنجر للصين في العام التالي. إلا أن ثعلب الدبلوماسية الأمريكية كيسنجر عاد مجدداً ليحذر من حرب محتملة مع الصين بعد تصاعد الخلافات بينهما خاصة التجارية، وفي أعقاب أزمة الجائحة الحالية والحرب الكلامية التي يشنها الرئيس الأمريكي ترامب على الصين لأسباب تجارية وأخرى تتعلق بفيروس كورونا واتهام الصين بنشره.
فقد دعا وزير الخارجية الأمريكي الأسبق إلى وضع حدود للمواجهة بين البلدين، وقال: إن ذلك هو السبيل أمام عدم تكرار الحرب العالمية الأولى. وأوضح أن ما يحصل اليوم أشبه بحرب عالمية باردة بين البلدين، مشيرا إلى أنه يخشى أن تتطور هذه الحرب قريباً. وأكد أن هناك مشكلة لدى واشنطن، وهي ترسيخ قناعة بأن الولايات المتحدة هي المهيمنة على العالم وحدها، وهي قناعة يجب تغييرها، بحسب قوله.
وليست هذه المرة الأولى التي يحذر فيها كيسنجر من صراع محتمل بين البلدين. يشار أيضا إلى أن وزير الخارجية الصيني وانج يي، كان قد أعلن في يوليو الماضي أن بكين ستتخذ إجراءات حازمة وحاسمة ضد واشنطن إذا تدهورت العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، وشكلت مسألة إغلاق القنصليات والتضييق على البعثات الدبلوماسية آخر أشكال الحرب الباردة بين البلدين.
ما أثار الصين أيضا، صفقات الأسلحة الأمريكية المتطورة لتايوان حيث أن البيت الأبيض يمضي قدما في ثلاث صفقات بيع أسلحة، وأرسل في الآونة الأخيرة إخطارا بشأن المبيعات إلى الكونجرس للحصول على موافقته، في حين هددت الصين برد انتقامي. وقال تشاو ليجيان المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية إن مبيعات السلاح الأمريكية لتايوان «تمس سيادة الصين وتلحق الضرر الشديد بمصالحها الأمنية»، وقال تشاو للصحفيين في بكين دون الخوض في مزيد من التفاصيل «ستتخذ الصين الرد المشروع والضروري وفقا لتطورات الموقف».
وكان الدافع الأساس للانفتاح الصيني الأمريكي المتبادل في مطلع السبعينات من القرن الماضي هو مواجهة الاتحاد السوفييتي حيث ساءت العلاقات بين بكين وموسكو في ذلك الوقت، ورأت واشنطن أن الفرصة سانحة لاقتناص الفرصة والانفتاح على الصين. لكن الوضع اختلف حالياً، حيث توجد علاقات تنسيق وتبادل تجاري واسع بين الصين وروسيا، لذلك دعا كيسنجر قبل سنتين إلى التحالف مع روسيا ضد الصين، لكن حساباته اختلفت مع حسابات الرئيس ترامب.
ويرى بعض المحللين أن ترامب في حالة إعادة انتخابه سيكون حراً وبلا قيود لتشديد العقوبات على الصين، لكنه قد لا يقدم على خطوات عسكرية فوراً، لأن أحداً لا يستطيع حصر حرب في إطار تقليدي وسط ترسانات تعج بالأسلحة النووية. ومن الصعب دق اسفين بين روسيا والصين حالياً لأنهما يتعرضان معا للعقوبات الأمريكية، وباتت تربطهما علاقات ومصالح مشتركة في مواجهة التنمر الأمريكي في العالم.
وأشارت تحليلات أخرى إلى أنه بعد انقضاء جائحة كورونا فإن واشنطن، سوف تشن حرباً تجارية قاسية بقطع العلاقات مع شركات الاتصالات الصينية، وحظر شراء رقائق في الغرب، وفصلها عن كابلات الانترنت البحرية ونظام تخزين المعلومات الأمريكي.
هذا بالضبط ما ينص عليه برنامج «الشبكة النظيفة» الذي أعلنه وزير الخارجية الأمريكي مايكل بومبيو. ووفقا لكاتب العمود الأمريكي أليستير كروك، فإن هذا لن يعني العودة إلى الحرب الباردة، إنما أول قصف مدفعي ثقيل في حرب حقيقية طويلة. فالوضع، مشابه للوضع، في صيف عام 1914، عندما اغتيل الأرشيدوق فرانز فرديناند.
ويتوقع مراقبون، أن يوم الحساب في العلاقات الأمريكية الصينية يقترب بسبب حقيقة أن الصين تتجه بثبات نحو أن تصبح أكبر اقتصاد في العالم، وتتفوق بثقة على الولايات المتحدة. أما الولايات المتحدة فتتفوق في التكنولوجيا العسكرية ونوعية الاسلحة وانتشار أساطيلها وقواعدها في أنحاء العالم، ولكن من حيث عدد السفن – السطحية والغواصات – تجاوزت الصين الولايات المتحدة.
hafezbargo@hotmail.com