هل اتفاقية «السيداو» تنصف المرأة؟
د.فايز رشيد
«السيداو» هي اتفاقية للقضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة (وهي معاهدة دولية اعتمدتها الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1979). وتصفها على أنها وثيقة الحقوق الدولية للنساء. صُدّقت المعاهدة في 3 سبتمبر من عام 1981 ووقعت عليها أكثر من 189 دولة من بينها أكثر من خمسين دولة وافقت مع بعض التحفظات والاعتراضات، من ضمنها 38 دولة عربية وإسلامية وغيرها، ورفضت تطبيق البند رقم 38 من الاتفاقية، الذي يتعلق بسبل تسوية الخلافات المتعلقة بفهم الأتفاقية. فمثلاً أوضحت أستراليا في تحفُظها أن هناك بعض القيود بسبب نظامها الدستوري. ومن بين الذين لم يوقعوا الاتفاقية: الفاتيكان، الأزهر، إيران، الصومال والسودان.
القارئ للمعاهدة يجد أنها تشبه كثيراً معاهدة اتقاقية القضاء على جميع أشكال التمييز العنصري «سواء بالنظر إلى التزامات الدول بها أو طريق تفعيلها ومتابعته، وهي تتكون من 6 أجزاء تحتوي على 30 مادة. كما أنها تؤكد على أهمية القضاء على كل أشكال التمييز والاتجار بالجنس، وتحدد حقوق المرأة في المجتمع عموماً بالتركيز على الحياة السياسية وحقها في أن تُمُثل ذاتها وحقوقها في الحصول على الجنسية. كما تصنف حقوقها الاقتصادية والاجتماعية وتحديداً بالنسبة للتعليم والعمل والصحة. كذلك تتعرّض إلى حماية المرأة الريفية والتضامن معها في المشاكل التي تواجهها بشكل خاص. وتؤكّد على حق المرأة في الحصول على المساواة في الزواج والحياة الأسرية، وأن من حقها الحصول على المساواة أمام القضاء. وتختص المادة الأولى بتعريف التمييز ضد المرأة على النحو التالي: إن أي تمييز أو إقصاء أو تقييد تتم بناء على الجنس ولها تأثير أو غرض على لإضعاف وإبطال اعتراف بحقوقها قانوناً وممارسة هي في صميمها: اعتداء على حقوق المرأة. لذا يتوجب أن تتمتع بكافة حقوقها الإنسانية وحرياتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والمدنية وكافة الحريات الأخرى، بغض النظر عن حالتها الزوجية، ووفقًا لأساس واحد هو عدم المسّ بأيّ من حقوقها.
وأن على الدول سن قوانين وإنشاء محاكم ومنظمات مجتمعية بغرض ضمان حماية فعالة للمرأة ضد أي ممارسات تمييزية، لذا عليها أتخاذ خطوات عقابية حقيقية تجاه الأفراد والمؤسسات والمنظمات التي تمارس التمييز ضد المرأة، بخاصة استغلال المرأة في البغاء. وأن تكون الكفالة متساوية لكل من الرجل والمرأة بالحق في الزواج واختيار شريك الحياة بحرية وامتلاك نفس الحق في حرية اختيار عدد الأطفال والمدة بين إنجابهم إذا قررا إنجاب أكثر من طفل، وامتلاك نفس الحقوق والواجبات كزوج وزوجة متساويين في اختيار اسم للأسرة وتحديد المهنة. والقيام بسنّ أحكام جديدة للحماية من أشكال التمييز ضد المرأة.
للأسف، لم تراع الاتفاقية أن هناك شرائع سماوية حددت طبيعة العلاقة بين الرجل والمرأة، ولا يمكن للعديد من الدول تجاهل نصوص ديانانها. في فلسطين المحتلّة وقّع الرئيس عباس على الاتفاقية واعتبرها هدّية للمرأة في يوم الثامن من مارس/آذار الماضي، ما أثار العديد من رجال الدين ومنظمات وقوى المجتمع المدني، وذلك وسط تأييد المنظات واتحادات المرأة للاتفاقية، ما ساهم في خلق نقاش وجدل مجتمعي عقيم يؤثر شئنا أم أبينا في الوحدة والإجماع الفلسطيني في مجابهة الاحتلال الجاثم على صدور أبناء شعبنا.
المسألة الثانية التي لم يأخذها الرئيس الفلسطيني بعين الاعتبار، هي أنه في مناطق السلطة الفلسطينية يُفتقد حالياً وجود برلمان وموافقته على توقيع الاتفاقية أحد الشروط الأساسية لإقرار الاتفاقية، والعمل بها، ثم إننا أولاً وأخيراً لسنا دولة متحرّرة (مثل باقي الدول)، لذا فلتنصب كل الجهود نحو مقاومة الاحتلال وبعدها فللناقش الانضمام للاتفاقية نقاشاً مجتمعياً حرّاً في أجواء من الديمقراطية الحقّة. نخلص إلى القول، إن اتفاقية السيداو تحاول إنصاف المرأة، وهذه مسألة مهمة، غير أنها لا تأخذ بعين الاعتبار الطبيعة المجتمعية للدول المتنوّعة، وكذلك الجوانب الرّوحية الدينية فيها، كما التنوّع الكبير في طبيعة كل مجتمع وخصوصياته وما يؤمن به من دين.
Fayez_Rashid@hotmail.com