هجمة الفيروس المرتدة
فيصل عابدون
ما فتئ الفيروس الغامض يتلاعب بسكان الكوكب ويمسك بتلابيبهم ويلقي بمفاجآته المرعبة كلما حسب الناس أنهم باتوا بأمان من أخطاره المحدقة وبدأوا رحلة العودة من مملكة الرعب والفزع إلى حياتهم الطبيعية. ويبدو الأمر في ظاهره كأنه نوع من أنواع الدراما السوداوية الساخرة حيث تزداد الأزمات والمآزق تعقيداً وخطورة كلما لاح في الأفق بريق للخروج من عنق الزجاجة، وأمل في نهاية طريق الظلام والكآبة إلى النور.
لقد عطل انتشار فيروس كورونا الأنشطة الجماعية ولون الحياة بلون الألم والدموع وتسبب في شلل يكاد يكون كاملاً في بعض القطاعات الحيوية. فالمهرجات والمباريات الرياضية ألغيت أو تم تأجيلها، وتعرقلت الأعمال والحركة التجارية والصناعات، ولم ينج التلاميذ والطلاب من تداعياته المؤلمة، فقد أغلقت المدارس والجامعات والكليات أبوابها وحتى رياض الأطفال لم تسلم من الضرر.
وعلى النقيض من كافة أنواع الأوبئة التي مرت على الكوكب عبر العصور، فقد تضمن تفشي الفيروس نطاقاً جغرافياً لا سابق له شمل أركان الكرة الأرضية الأربعة، كما استمر ولا يزال في موجته الثانية أو هجمته المرتدة هذه، لفترة تقارب العام.
فبعد مرحلة كفاح مضنية خاضها العلماء والأطباء والحكومات والمنظمات مع انتشاره الأول، انحسر خطر الفيروس شيئاً ما وتنفست المجتمعات الصعداء وأعلنت العديد من الحكومات نجاح تدابيرها الوقائية في السيطرة على تفشي الفيروس وبدأت دول أخرى في تخفيف القيود الخانقة التي فرضتها على حرية الأفراد والتجمعات.
وتزامن كل ذلك مع تقارير العلماء المتفائلة عن نجاح تجارب اللقاح المضاد في أكثر من دولة وعبر أكثر من مختبر، بالإضافة إلى تقدم أبحاث وتجارب الدواء المعالج بشكل أعاد ثقة البشرية إلى نفسها وقدرتها على مكافحة الظواهر والاوبئة الغريبة والفتاكة.
لكن هذه الأجواء لم تستمر طويلاً فقد استيقظ الوحش المخيف وتعالى الصراخ مجدداً مع ظهور موجة ثانية قال الخبراء إنها ربما تكون أشد فتكاً من الموجة الأولى. ومع تسارع معدلات الإصابة والوفيات باشرت العديد من الدول في أوروبا بشكل خاص العودة إلى إجراءات الإغلاق والقيود المعروفة وظهرت في البلدان الأشد تضرراً عناصر الشرطة والجيش في الشوارع لردع المخالفين لتدابير الوقاية.
وبينما كانت الانتخابات الأمريكية محتدمة، اقتحم الوباء البيت الأبيض وأصاب الرئيس دونالد ترامب وعقيلته وهدد المرض عدداً آخر من أعضاء الطاقم الرئاسي الأمريكي.
إن الصورة هنا تشبه ملاعبة عدو غير مرئي ويتحرك مثل الهواء بضحايا مسلوبي الإرادة. او كأن هذا العدو العابث يشعر بالغيرة من انتقال بؤرة الاهتمام التي تحيط به إلى قضية أخرى أو شخص آخر. فهو يعتبر العام 2020 عامه الخاص بشكل لا يقبل المنافسة. ومع ذلك فإن هذه الهجمة المرتدة الأخيرة ربما تكون الرصاصة الأخيرة في بندقية هذا العدو الماكر، وربما تضل طريقها للمرمى فلا تسجل هدفاً جديداً يعمق بقاءها في الأرض، أو تحطمها صخور الأرض وتذروها الرياح التي جاءت بها لأول مرة.
Shiraz982003@yahoo.com