موسيقى محمد رضا
يوسف أبو لوز
لا جنسية، ولا حدود، ولا جواز سفر للموسيقى حين تكون ذات هوية إنسانية، ولا تخدم سلطة أو أيديولوجية أو فكراً أحادياً ضيّقاً.
عاش المغني والموسيقي الإيراني محمد رضا شجريان (1940- 8 أكتوبر 2020) مؤمناً بعالمية الفن، وإنسانيته، ونأيه عن أيّ نظام من شأنه أن يوظف الغناء والموسيقى لأغراض دعائية إعلامية، وبسبب من ذلك سيكون صاحب أغنية «لغة النار» على توتر دائم مع النظام الإيراني، وقبل ذلك مع نظام الشاه، لا بل أكثر من ذلك، طالب السلطات الإعلامية في بلاده بعدم بث أغانيه من الإذاعة والتلفزيون. يقول: «كلما سمعت أغنياتي في الإذاعة والتلفزيون في إيران أحسست بالخجل، فأنا لا أريد أن تُستغل موسيقاي لتبرير القمع». أما أغنيته الشهيرة «لغة النار» فمنها هذا المقطع – الإنساني «أنا أكره سفك الدماء/ والمسدس الذي في يدك يتحدث لغة النار والحديد/ أَلْقِ سلاحك جانباً/ تعال واجلس. تحدّث واسمع. فربما يصل نور الإنسانية إلى قلبك».
يجيد محمد رضا شجريان اللغة العربية، وبرع في أداء الموشحات ولعلّ هذه الأندلسية المبكرة في حياته، هي التي قادته إلى غناء شعر كبار المتصوّفة: جلال الدين الرومي، حافظ شيرازي، فريد الدين العطّار، عمر الخيام، كما غنّى قصائد لشاعر إيراني معروف عند القارئ العربي هو سهراب سبهري صاحب القصيدة الشهيرة والتي جاء فيها «عندما مات أبي كل الشرطة أصبحوا شعراء».
تعلّم شجريان حين كان في الخامسة من عمره تلاوة القرآن من والده، وهو في العموم ينحدر من عائلة متدينة في مدينة مشهد شمال شرقي إيران، لكن هذه المرجعيات العائلية والثقافية لم تمنعه من تعلّم الموسيقى وهو في الثانية عشرة من عمره سرّاً، وذلك احتراماً لشخصية والده المتدينة، ليصبح أهم موسيقي ومغنّ تراثي وكلاسيكي ليس في إيران وحدها، بل أيضاً في آسيا وفي العالم، فقد عرفت موسيقاه في أمريكا، وفرنسا، وبريطانيا، وألمانيا، وكندا، ليؤكد بذلك عالمية غنائه الإنساني الذي رفض استغلاله وتوظيفه سياسياً وإعلامياً على يد الدوائر المتنفّذة في إيران.
ممّا قرأته من أفكار شجريان قوله: «على الفن أن يخدم الجمال، والجمال يخلق الحب والعاطفة، والحب والعاطفة يمنعان الإنسان من اقتراف الذنوب، ويجعلانه يسعى إلى قيم أعلى».
نال شجريان أكثر من تكريم خارج بلاده، فقد حصل على وسام الاستحقاق الوطني الفرنسي برتبة فارس، وفي عام 1999 حصل على جائزة «بيكاسو» من منظمة «الأونيسكو»، ووسام «موزارت» في عام 2014 من «الأونيسكو» أيضاً احتراماً لموسيقاه العالمية الإنسانية التي لم تخضع للخوف أو التخويف على مدى أكثر من نصف قرن.
yabolouz@gmail.com