من أجل شيماء وأخريات.. “جميلات الجزائر” ينتفضن ضد أبشع جريمة
وقالت نجمات الجزائر "نحن الممثلات متحدات ضد ظاهرة قتل النساء وضد كل أشكال العنف الممارس عليهن، ندعو الجميع للاتحاد والتضامن لوقف هذا العنف".
وما زالت حكاية جثة الفتاة "شيماء" التي عثر عليها متفحمة في محطة وقود مهجورة شرقي الجزائر، تتصدر الأحداث في الجزائر.
وفي خطوة لكسر حاجز الصمت، خرجت عشرات النساء في مظاهرات بمختلف أنحاء البلاد، في العاصمة ووهران وقسنطينة للمطالبة بالقصاص لشيماء وإكرام وأميرة ورزيقة، وهذه أسماء لفتيات قتلن بدم برد في الجزائر.
ويأتي تحرك الفنانات الجزائريات بينما تواصل المحكمة الجزائرية التحقيق في فصول الجرائم البشعة، ومن داعمي هذه المبادرة، الفنانة الجزائرية الشهيرة، بهية راشدي والممثلة نجية لعراف وإيمان نوال وعديلة بن ديمراد وسهيلة معلم وسليمة عبادة، إلى جانب أخريات وقفن متشحات بالأسود في لقطة تعبر عن حجم الحزن الذي يخيم على القلوب وسط أخبار الدم.
وعن أهمية هذه المبادرة قالت بهية راشدي، لـ سكاي نيوز عربية :"هذا أقل شيء يجب أن نقوم به كفنانين، وأن نترجم أحاسيس نريد قولها، كفانا عنفا.. لقد اشتقنا للبسمة والسعادة". وأضافت بهية أن دور الفن هو مرافقة مثل هذه القضايا وبكل الأشكال، ونشر الوعي عبر الأعمال السينمائية والتلفزيونية من أجل نشر الوعي.
أرقام صادمة
وعبر صفحتها الرسمية في موقع التواصل الاجتماعي فايس بوك، أكدت مجموعة "الجيري فيمينيسيد" التي تهتم بقضايا المرأة الجزائرية أن حوادث العنف ضد المرأة تجاوزت حدود المعقول عام 2020، وأشارت المجموعة إلى أن الجزائر سجلت 39 جريمة قتل راح ضحيتها نساء جزائريات بطرق مختلفة.
وتسجل السلطات الأمنية تباينا في عدد الاعتداءات على النساء في السنوات الأخيرة، وفي آخر تقرير للشرطة الجزائرية تم تسجيل 5620 حالة عنف ممارس ضد المرأة عام 2019، بينما سجلت المصالح ذاتها أكثر من 7 آلاف حالة عنف ضد المرأة.
وقد أخذت الجرائم أشكالا متعددة منها القتل العمد والجرح والضرب والعنف اللفظي والاعتداء والتحرش الجنسي وسوء المعاملة.
المسكوت عنه
لكن الحديث عن ظاهرة الاعتداء الذي تتعرض له المرأة في المجتمع ما تزال من المحظورات، وهو ما دفع بالفنانات الجزائريات للاتحاد من أجل كشف المسكوت عنه، وتؤكد الممثلة الجزائرية ليلى توشي التي شاركت في مبادرة "متحدات ضد قتل النساء" والتي تضم حاليا أزيد من ثلاثين ممثلة جزائرية من الأجيال الأربعة، أن المبادرة تحظى بدعم عدد من الممثلين الجزائريين الرجال.
وأوضحت توشي لـ "سكاي نيوز عربية" أن ضرورة هذه المبادرة تكمن في شعور المرأة اليوم بالخوف في العالم وليس في الجزائر فقط، وقالت: "قلوبنا امتلأت بالخوف والحالة درامية في السنوات الأخيرة"، وبحسب قولها، لا يوجد سبب معين للظاهرة ولكن الأرقام تدق ندق ناقوس الخطر وهو ما دفع الفنانات للعب دور ضد مثل هذه الظواهر في المجتمعات العربية.
وقالت الممثلة الجزائرية :"الفنان هو مرآة المجتمع في النهاية وهذا دور يخصنا جميعا كمواطنين، والفكرة لا تعني أننا ضد الرجال ولكنها الخطوة الأولى من أجل إسماع صوت النساء".
ويرى أصحاب المبادرات أنه لا يمكن تحقيق الأهداف المنشودة بدون دعم من الرجل والمجتمع، كما أن الأمر يلزمه تقديم تضحيات لتجاوز تلك النظرة القاصرة التي يحاول البعض الترويج لها، وهو ما تعكسه ردود الأفعال على مواقع التواصل الاجتماعي التي لم تكن في مجملها إيجابية، بل عكست انقساما في المجتمع حول المبادرة.
وثمة آراء أخرى وصفت المبادرة بالمبالغ فيها، فقال البعض إنها تسلط الضوء على ظاهرة شاذة ومحدودة جدا، يعد ضحاياها على رؤوس الأصابع وهي ليست أكثر من حوادث تقع حتى في المجتمعات المتطورة.
وتعد ليلى توشي واحدة من ضحايا التحرش، وقد أثارت حادثة تعرضت لها قبل عدة سنوات موجة من التعاطف، وأوضحت الممثلة وهي تتحدث عن عدد حوادث التحرش الخطيرة التي كانت تواجهها يوميا، كلما عادت إلى البيت، "لا نسلم من ملاحقات من بعض سكان المنطقة الذين اعتبروا مهنتنا كممثلة، نوعا من الإهانة لهم، بينما يقوم البعض بتقديم تبريرات للقاتل عندما يكون رجلا ويتهمون المرأة بأنها كسرت الحياء وخالفت العادات واستفزت مشاعره سواء بملابسها أو حتى بتسريحة شعرها".
وقد كانت قضايا قتل النساء واغتصابهن واحدة من القضايا التي تناولتها السينما الجزائرية بعد الاستقلال، ومن أشهر الأفلام الجزائرية التي تحدثت عن قتل النساء فيلم "رشيدة" للمخرجة يمينه شويخ عام 2002، وهو العمل الذي حاز على أكثر من عشرين جائزة دولية لتناوله قضية معاناة المرأة الجزائرية خلال العشرية السوداء.
القوانين وحدها لا تكفي
وعانت المرأة الجزائرية كثيرا سواء خلال فترة الاستعمار أو العشرية السوداء في تسعينيات القرن الماضي.
وكما يورد كتاب "الاغتصاب أثناء الحرب الجزائرية" للكتابة الفرنسية فرع رفائيل، فإن اضطهاد المرأة الجزائرية يعد واحدا من بين أبرز الانتهاكات التي ارتكبها الجيش الفرنسي خلال الحرب الجزائرية، وهذه الجرائم ما زالت في خانة المسكوت عنه نظرا لحساسيتها وصعوبة الحديث عنها في المجتمع.
ولمواجهة هذه الظاهرة، دعت العديد من المنظمات والجمعيات الوطنية إلى تطبيق أقصى العقوبات على المتحرشين مع تطبيق عقوبة الإعدام على مرتكبي جريمة قتل النساء، وهي العقوبة التي لم تعد تنفذ منذ عام 1993، وينقسم المجتمع الجزائري حول الجدوى من تطبيقها، حيث أن هناك جزء كبير من المهتمين يقولون إن هذه العقوبة ليست رادعاً.
وسنت الجزائر عام 2016 قانونا خاصا للحد من ظاهرة العنف التي تتعرض لها المرأة، وهو الأمر الذي جعل المنظمات والجمعيات المدافعة عن حقوق المرأة تعرب عن تفاؤلها على اعتبار أن المشرع الجزائري تحرك لمواجهة هذه الظاهرة ولم يقف مكتوف الأيدي.
لكن المعضلة الكبرى في حالات الاعتداء هو ارتباطها بالأسرة، فعادة ما تكون المرأة ضحية شقيقها أو والدها، وهو ما يجعل من إمكانية التقدم بشكوى أمرا صعبا جدا بل مستحيلا في بعض الأحيان، وهنا تبدأ الصعوبات على مستوى الضحية نفسها.
وتشير الطبيبة فضيلة بومنجل شيتور المسؤولة بشبكة "وسيلة لحماية المرأة" إلى أن الشبكة تتلقى سنويا ما بين الـ100 إلى 150 شكوى في هذا الإطار، وأكدت أن الأرقام الحقيقة تبقى غير محددة، خاصة بالنسبة لحالات العنف المنزلي.
ورغم أن جريمة القتل والعنف ليس أمرا جديدا وطارئا، لكن ظهور مواقع التواصل جعل منها مادة دسمة تشغل بال الرأي العام في الفترة الأخيرة.
وتقول المحامية فاطمة بن براهم لـ "سكاي نيوز عربية": "المعلومات التي تخص مثل هذا النوع من الجرائم عادة ما تبقى حبسية أروقة المحاكم والمجتمع فلا تُعرف الحقيقة الكاملة التي تخص كل قضية".
وما تزال هناك مئات القضايا العالقة التي تتعلق بالاعتداء على المرأة، والتي تعود إلى سنوات، نظرا إلى تشعبها عندما يرتبط الأمر بالمسائل ذات البعد الأسري.
وترى بن براهم أن حل هذه الأزمة لا يمكن من خلال القوانين وإنما معالجة الظاهرة وأسبابها.
وأشارت إلى أن العنف المنتشر في المجتمع لا يمس المرأة فقط بل الرجل، وهناك حوادث قتل راح ضحيتها رجال على أيدي نساء وهذا ما يدفع بالحقوقيين إلى التأكيد على أن المشكلة الأساسية ليست في سن مزيد من القوانين لحماية المرأة وإنما التعليم ونشر الوعي في المجتمع.