مقلقات هبوط منسوب الإبداع
عبد اللطيف الزبيدي
هل يقلقك أن الساحة الثقافية العربية لم تعد تعجّ بالرموز العابرة للأقطار، مثلما كانت أيام كانوا وكانت؟ لا أحد يقول:أقفرت الساحة. لا أحد يجرؤ على ادّعاء أن أحوال أساليب الإبداع الأدبي، وما حلّ بها من أهوال، تجعلك لا تستبعد مستقبلاً أن توشح الجوائز الأدبية صدر من يفتح الله عليه بفعل وفاعل ومفعول من دون لحن وغلط.
عليك أن تترجل من العنتريات، بقبول الواقع كما أرادت له الصروف. المؤسف هو أن يأتي الفهم متأخراً. ما وصل إليه الشتات العربي اليوم، إنما جذوره نبتت قبل عشرات السنين. القضية ببساطة: أدّت طبائع الاستبداد العربية، بشتى أشكالها، إلى خنق حريات الفكر والرأي والتعبير، التي كانت قد ازدهرت على طريقة انبثاق الفطر في عقود قليلة معدودة. في تلك السنين شعّت الآداب والفنون والكثير من الأفكار الرائدة، التي كان في الإمكان أن تصير محرّكاً عملاقاً له بوصلة دقيقة، رؤيتها واضحة، وغاياتها جليّة. كان ذلك وزناً أثقل من أن يقوى «المجتمع الدولي» على تحمّله. احتاج الأمر إلى التشتيت والتفتيت. بمن؟ بطبائع الاستبداد.
اللعبة الأساسيّة هي وجود طبائع الاستبداد ذاتاً وصفات في بعض الدول العربية. هي التي كانت العقبة دون التنمية الشاملة، التي لا يمكن تحقيقها من دون إرساء قواعد النهضة الحقيقية. الأنانية المستبدة هي التي حالت دون العمل العربي المشترك. كانت الحزبيّة الضيّقة وألوان الفساد الإداري والمالي، والإملاءات الخارجية الناجمة عن تعمق الهوّة بين القمة والقاعدة الذي بدّد مفهوم السيادة، وكلها كانت تتحوّل إلى عراقيل للتنمية والتطوير والنمو، بالتالي كان العمل المشترك يزداد تعذّراً، والعلاقات البينيّة العربية تزداد تمزّقاً، وهكذا تعمل قوّتان، إحداهما داخلية والأخرى خارجية، على ترسيخ الانقسام العربي، واستنساخ المشكلات من المشكلات. باختصار، تمسي نجوم السماء أقرب إلى المنظومة العربية من ثلاث كلمات: عمل عربي مشترك. الآن، علينا أن نعود إلى حيث انطلقنا: في هذا العالم العربي الممزّق، كيف يستطيع الأديب أن يكتب وفي ذهنه أمّة بها أربعمئة مليون عربي؟ كيف يستطيع الموسيقي أن يصدح بحنجرة لها قوة مئات الملايين ومساحتها الصوتية أربعة عشر مليون كيلومتر مربع؟
لزوم ما يلزم: النتيجة الغرائبية: أليس هذا الواقع غلطاً في غلط؟ لعل أوضاع الأمم كالأسواق تصحّح نفسها بنفسها.
abuzzabaed@gmail.com