مقالة خجولة
يوسف أبولوز
أشعر بالخجل أحياناً، عندما يظهر على فضائيات عربية محللون سياسيون روسيون وأمريكيون وصينيون ويابانيون في بعض التعليقات والتحليلات العربية والدولية، يتحدثون باللغة العربية أفضل من محللين سياسيين عرب. الفاعل مرفوع عند هؤلاء الأجانب الذين يتحدثون لغتنا التي نسميها اللغة الأم، والمفعول به منصوب عندهم، وحرف الجر بعده يومين، وليس «يومان». والجملة عند الناطق الأجنبي بلغتنا الحبيبة هي جملة فعلية أو اسمية قصيرة، ومركّزة، المبتدأ مفهوم والخبر واضح، والعدد يخالف المعدود في التأنيث والتذكير. كأن هؤلاء الروس والأمريكيين والصينيين يعطوننا دروساً في اللغة والنحو والصرف على الهواء مباشرة وفي الخبر العاجل بسرعة ودقة وتدقيق لغوي تلقائي، كأنهم يتحدثون العربية بالفطرة.
أرجوك، تابع ولو من باب المراقبة، لا من باب المعاقبة ما يتورط فيه متحدثون عرب فضائيون من مذابح في اللغة العربية، لغتهم وخاصة أبسطها: حرف الجر، ولا أدري متى قرأت مقالة ساخرة تقع في هذا السياق يقول كاتبها إن حرف الجر يجر فيلاً بأكمله.
الأسابيع الماضية كانت أسابيع خبرية بامتياز، كثر فيها المعلّقون والمحللون الذين يحتاجون إلى تحليل، وامتلأ الفضاء التلفزيوني بشكل خاص بالعواجل والاستضافات، والاستعانات «الواقعية» بالتعليق والتحليل. مادة غزيرة، وأخطاء في اللغة أكثر غزارة من جانب أشخاص «محترمين» بربطات عنق وصحة جيدة، واستقرار نفسي واضح من خلال لغة الجسد، ولغة الثياب، واللغة اليتيمة في كل هذا المشهد هي اللغة العربية.
كاقتراح فقط، يشير بعض الكتّاب الذين يخجلون من هذه الظاهرة، إلى ضرورة أن يتحدث المحلل أو المعلق بلسانه الشعبي المحكي؛ أي اللغة الشعبية الدارجة، أو باللغة العربية الصافية إن استطاع ذلك.
الكثير من إخوتنا المحللين اللبنانيين حسموا الأمر، وهم صادقون مع أنفسهم، فالتعليق عندهم بالدّارجة أو المحكية اللبنانية. إقناع وأناقة وثقة بالنفس، من دون الإساءة إلى اللغة العربية المرفوعة والمنصوبة والمجرورة.. «كِلّن يعني كِلّن».
اللافت، وهي كلمة حق هنا، أن إخوتنا العرب المغاربيين،خاصة في المغرب والجزائر وتونس، أكثر معرفة باللغة العربية واحتراماً لها من حيث رفعها ونصبها وجرّها ومبتدؤها وخبرها، على الوجه التلفزيوني الفضائي العاجل وغير العاجل، فهم أفضل وأجمل من بعض المشارقة الذين يُنافسهم الروسي المستعرب في لسان العرب.
مذابح لغوية جماعية على الشاشة الفضية والفضائية يقوم بها يومياً أكثر من شخص: المحلل، المعلق، المذيع، المراسل، المحرر.. إلى آخره.
كان رسول حمزاتوف يقول إن من يخسر لغته، يخسر نفسه.. أو حتى كرامته.
أليس هذا مدعاة للخجل؟
yabolouz@gmail.com