معاملة غير لائقة
إبراهيم الهاشمي
لا أشكك أبداً في جهود وزارة الموارد البشرية والتوطين، في دعم العمالة الوافدة من خلال وضع القوانين التي تحميهم، وتوفر لهم سبل الحياة الكريمة، وتحمي حقوقهم من كافة الجوانب، سواءً الإنسانية أو المالية، لكن العتب كل العتب على الشركات المختلفة التي تتعامل مع الأخوة من العمالة الوافدة، وخصوصاً العاملين في قطاع التشييد والبناء، بأسلوب فيه الكثير، إما الاستغلال، وإما هدر القيمة الإنسانية ، وعدم الاهتمام والرعاية، ولن أذهب بعيداً في حديث عام ، لكن سأكتب عما تشاهده عيني يومياً، وأعايشه منذ مدة ليست بالقصيرة حيث أقيم، في إحدى مناطق دبي يتم تشييد بناء مدرسي كبير مقابل شارعنا، يعمل فيه العمال ليل نهار بمعدل لا يترك ثانية من الزمن دون استغلال لإنجاز هذا المبنى، ولا غبار في ذلك فسرعة الإنجاز مطلوبة، لكن من دون إزعاج القاطنين فأصوات طرق الحديد وصفير الآليات والضوضاء لا ينقطع ليل نهار، ما يشكل إزعاجاً لا تهتم به الشركة التي تشيد المبنى، فراحة السكان آخر ما يهمها في ظل صمت الجهات المسؤولة، لذلك راحة العاملين لديها هي الأخرى من آخر اهتماماتها.
يومياً أشاهد العاملين الذين تنتهي فترة دوامهم، ويغادرون وقت العصر تقريباً، يفترشون المساحات الموجودة أمام بيوت السكان في تلك المنطقة وبالساعات الطوال التي تزيد على الثلاث ساعات يومياً، فلا اهتمام لدى الشركة بتوفير مكان مظلل يحميهم لهيب الشمس، أو توفر لهم ما يشربونه حتى تأتي الحافلات لتقلهم لأماكن سكنهم، بعد يومٍ مضن من العمل والجهد العضلي المنهك، يتركونهم نهباً للطريق، يستظلون تحت ظل تلك الشجرة أو ظل سور هذا البيت أو ذاك، في انتهاك صارخ لحقوق هؤلاء العمال، بل هو عمل غير لائق ولا إنساني ويتنافى مع كل ما تقدمه الدولة وتفعله وتسنه من قوانين تحترم الإنسان وآدميته.
مثل هذه الشركة لم تراع أي جانب إنساني، ولم تلتفت للقانون أبداً، بل استغلت العمال وحاجتهم إلى العمل، فعاملتهم بمثل تلك المعاملة المجحفة التي أراها رأي العين يومياً.
وهنا لا بد من سؤال يفرض نفسه، أين الرقابة على مثل هذه الشركات؟، أي الزيارات الميدانية الفجائية التي ترصد وتحمي حقوق هؤلاء البسطاء، أين الجهات المعنية التي رخصت للمشروع، وتركت مثل هذه الشركة تفعل ما تشاء دون رقيب أو حسيب؟
ما تفعله هذه الشركة وغيرها يسيء للدولة واسمها وسمعتها، بل هو غير مقبول مهما كانت المعاذير والمبررات، وهو ما يحتاج إلى رقابة صارمة لا تترك الحبل على الغارب للشركات، لتفعل ما تشاء ومتى تشاء، فحق العامل ليس فقط الراتب الذي يتقاضاه، بل تسبقه المعاملة الإنسانية الواجبة في كل زمان ومكان.
إن فاعلية القانون لا تأتي من خلال وضعه فقط، بل من خلال تطبيقه.