مريم بوبرام.. جزائرية تتفوق في “لحام المعادن” بفرنسا
دخلت مريم، التي اقتحمت عالم اللحام المعدني وحيدة وسط الرجال، مسابقة لأفضل أعمال هذه الحرفة في فرنسا، ونجح عملها في لفت أنظار المحكمين بشدة حاصلا على المركز الأول، وتسلمت شهادة بذلك من الرئيس إيمانويل ماكرون بنفسه.
تقول مريم بوبرام صاحبة الأصول الجزائرية، إنها "لم تتخيل يوما أن شغفها بهذه الحرفة التي كانت حكرا على الرجال ولا تزال، ستمنحنها جائزة تتوج مسارا طويلا من الكفاح".
وتضيف في تصريح خاص لموقع "موقع سكاي نيوز عربية": "للمنافسة على لقب أفضل عامل في فرنسا، صنعت قطعة معدنية يبلغ طولها 1.85 مترا وتزن حوالي 500 كيلوغرام. فيما استغرق صنعها 1600 ساعة عمل، ونافست بها أعمال 8 حرفيين رجال".
من تصفيف الشعر إلى لحام المعادن
مريم التي تبلغ من العمر 47 عاما، انقطعت عن الدراسة في سن مبكرة لأنها كانت تعاني "عسر القراءة"، لكن لم يستطع أحد أن يحدد مرضها آنذاك، وتقول: "الكل وضعني في خانة الفاشلين واضطر أبي للبحث عن بديل خصوصا أنني كنت أكبر إخوتي، ففضل أن يسجلني في دورة تدريبية خاصة بتصفيف الشعر، مبررا اختياره بكونها حرفة تجذب الفتيات في سني، كما أن لها مستقبلا واعدا بحكم أن كل النسوة يسعين ليكن جميلات".
رضخت مريم لاختيار الأسرة، إلا أنها لم تقتنع بهذه الحرفة البعيدة عن ميولها، وانتظرت طويلا إلى أن سمعت عن تدريب خاص بـ"لحام الطيران" للفتيات.
"رفضت أسرتي الفكرة تماما، غير أنني أصريت على التسجيل"، تحكي مريم وهي تتذكر الموقف الصعب الذي كان لا بد من التغلب عليه، بعد عناد مع الأهل.
وتتابع السيدة التفاصيل بكل دقة: "كان غرضي في البداية أن أترك تدريب تصفيف الشعر وألملم شتات نفسي. فكان لي ما أردت. كنت بمجرد أن أمسك آلة اللحام المعدني أفرغ كل غضبي وأحصل على سلام داخلي. لا أنكر أنني كنت في نظر من حولي شخصية متمردة ثائرة حاقدة على الأوضاع التي دفعتني للاعتناء بالبيت وبإخوتي الثلاثة الصغار في غياب والديّ اللذين كانا يعملان طيلة اليوم لتوفير لقمة العيش".
تجاوزت مريم فترة التدريب بنجاح وحصلت على شهادة تخول لها دخول سوق العمل وتنافس بقوة في المجال، وأصبحت تحس بأن هذه الحرفة "وسيلتي الوحيدة للانعزال عن هذا العالم المليء بالمعاناة" حسب تعبيرها.
طريق وعرة
تروي الفتاة التي اقتحمت مجالا ذكوريا صرفا قصة دخوله، حيث تقول: "لم يتقبلني الحرفيون الرجال في هذه المهنة. اعتبروا أن مكاني في البيت أو في مهن تحترم أنوثة المرأة، فالمجتمع -قبلنا بذلك أو لا- لا يزال يقوقع النساء في مهن تقليدية اعتيادية، ومن جهة أخرى يقلل من شأن الحرف اليدوية".
وأمام كل هذه الصعوبات، وبعزيمة كبيرة، ربحت مريم الرهان ورسمت مسارا مهنيا ناجحا، فهي تعمل اليوم، إلى جانب مزاولتها للحرفة، مدربة في معهد للحام المعدني في فرنسا.
وعن يوم حصولها على جائزة مسابقة أفضل حرفي في فرنسا، تقول مريم ضاحكة: "كان يوما فارقا في حياتي عندما دخلت جامعة السوربون العريقة بباريس لتسلم الميدالية، أنا التي لم أحصل على شهادة الباكالوريا".
وتصيف: "أحسست حينها بفخر كبير. رأيت السعادة تشع في عيني أبي الذي رفض امتهاني هذه الحرفة في البداية، كما أن تسلم الشهادة من يد ماكرون خلال حفل في الإليزيه كان رد اعتبار كبير لي ولكل الحرفيات".
تتمنى مريم اليوم أن تقدم يد المساعدة لكل من يعيش في ظروف صعبة عبر أكاديمية تشرف على إنشائها، كما تدعو النساء إلى "رفع راية التحدي والسير وراء أحلامهن لأنها بالإصرار والمثابرة تصبح قابلة التحقق".
ويمنح لقب أفضل حرفي في فرنسا منذ عام 1924، وتتطلب المسابقة التي تنظم كل 3 أو 4 سنوات، شهورا أو حتى سنوات من التحضير، فيما يتم تقديم برنامج الاختبارات قبل الامتحان بسنتين.
ويطلب من الحرفيين تقديم أعمال فنية تتميز بحس الابتكار والإتقان، وتحترم التقاليد المتعارف عليها، أما الشهادة التي يحصلون عليها فيتم اعتمادها من طرف وزارة العمل الفرنسية.