ما الذي يتوجب علينا بعد أخذ اللقاح؟
لقد بدأت نسبة كبيرة من الذين حصلوا على الجرعة الكاملة من اللقاح المضاد لفيروس (كوفيد- 19) يتنفسون الصعداء لإيمانهم أنه أمسى بإمكانهم ممارسة بعض النشاطات التي كانت محظورة عليهم، ولأنها أصبحت أقل خطورة. ولكن هناك الكثير من الخبراء الذين ما زالوا يصرون على ضرورة التمسك بالاحتياطات التي سبق التأكيد عليها، ولفترة المستقبل المنظور على أقل تقدير.
فيما يلي مختصر الإرشادات التي صرح بها عدد من الأساتذة والأطباء المختصين في مجالي المناعة وتصنيع اللقاحات حول العالم من أمثال الدكتور (جون سوارتزبيرك – John Swartzberg) وهو أستاذ متمرس في كلية الصحة العامة التابعة لجامعة كاليفورنيا في باركلي، والبروفيسورة (سنثيا ليفير – Cynthia Leifer) أستاذة علم المناعة المساعد في جامعة كورنيل.
بعد أخذك للقاح الكامل يمسي التعرف على كيفية وأسلوب دخولك للمجتمع مع الأخذ باحتياطات السلامة من الأسئلة الملحة بالغة الأهمية.
اليوم وبعد ما يقارب العام على الجائحة التي اجتاحت العالم، وبعد أن فاقت الوفيات من جرائها الـ (2.3) مليون نسمة، ما يفوق النصف مليون منهم في الولايات المتحدة الأمريكية فقط، برزت بارقة الأمل في سرعة تحضير العديد من اللقاحات التي أثبتت جدواها ضد هذا الفيروس.
أما أهم ما أثلج الصدر بشأن تلك اللقاحات وما سجل نجاحها والذي من شأنه وضع هذه الجائحة تحت السيطرة، بإذن الله، ففعاليتها المثبتة ضد الحالات الحادة من الإصابة، وأهميتها في التقليل من ضرورة الإدخال للمستشفيات، والأهم من هذا وذاك تقليل أعداد الوفيات.
بتزايد أعداد الأفراد المُلقحين ضد جائحة (الكوفيد-19) يومياً وعلى مدار الساعة حول العالم، يتساءل الكثيرون عن ما هي الفعاليات التي أشرت سابقاً إلى كونها مصدر خطورة يجب تجنبها كالاجتماعات والجلوس في الأماكن المغلقة بأعداد كبيرة، والذهاب للتسوق دون ارتداء الكمامة الواقية، وهل أمست أقل خطورة مع تداول التطعيم؟
فيما يلي الطريقة التي يرشدنا إليها المختصون في حساب درجة الخطورة ونسبتها بعد التطعيم ضد هذا الفيروس. وسنحاول الإجابة الدقيقة على عدد من الأسئلة الشائعة، كثيرة التداول بخصوص هذا الفيروس وبخصوص اللقاحات المتوفرة والمضادة له، مثل:
متى يتم اكتساب المناعة الكاملة ضد فيروس (كوفيد-19) بعد أخذ اللقاح الخاص به؟
يتضمن اللقاحان الأكثر تداولاً، والمنتجان من قبل شركتي (موديرنا-Moderna) و(فايزر-بيوتك-Pfizer-BioNTech) الأمريكيتين، وهما من نوع الحامض النووي الرايبوزي الرسول (mRNA) واللذان تم التصريح باستعمالهما في الولايات المتحدة الأمريكية أخذ جرعتين يفصل بينهما ثلاثة أو أربعة أسابيع. ويتطلب مرور أسبوع أو اثنين بعد جرعة اللقاح الثانية ليكتسب الجسم الحماية القصوى ضد الإصابة بفيروس (كوفيد- 19). وقد أثبتت التجارب السريرية المعتمدة فعالية كل من اللقاحين المذكورين ضد الإصابة بنسبة (95 %).
إلى الآن لم يمكن تحديد الفترة الزمنية التي سيكون المستلم للقاح بصورة تامة وصحيحة متمتعاً بالمناعة اللازمة ضد الإصابة بالمرض، ولن يجيب على هذا السؤال سوى الوقت والتجارب السريرية القادمة. كما يتوقع الكثير من الخبراء أن يمسي اللقاح ضد فيروس (كوفيد-19) من المتطلبات السنوية، حاله حال جرعة التلقيح ضد الإنفلونزا الموسمية، أي قد تطول أو قد تقصر مدة المناعة الشخصية المكتسبة ضد الفيروس بعد أخذ التطعيم.
هل يمكن للأشخاص الذين سبق حصولهم على اللقاح بصورة كاملة، والذين لا تظهر عليهم أي أعراض أو علامات للمرض من نقل المرض إلى غيرهم من غير الحاصلين عليه؟
هذا سؤال حرج بالفعل! ولكن لم تتم دراسته سريرياً بعمق وعلى الوجه الأكمل لحد الآن، ولكن دلت المعلومات المتوفرة حالياً على أن من شأن التطعيم السليم والصحيح أن يقلل بصورة معتبرة من الإصابة بالعدوى أو نقلها إلى الغير، سيما من قبل أولئك الذين لا تظهر عليهم أي أعراض أو علامات للمرض. وبينت إحدى الدراسات التشخيصية (من نوع المرحلة السريرية الثالثة) والتي أجريت قبل استلام الجرعة الثانية من لقاح (موديرنا-Moderna) قابلية الجرعة الأولى فقط من هذا اللقاح على توفير الحصانة، ومنع ظهور الإصابة بالحالات ذات الأعراض والعلامات، والحالات الخالية منها بنسبة (89.6 %).
أما الدراسات التشخيصية الأولية (من نوع المرحلة السريرية الثالثة) والتي أجريت على لقاح (أوكسفورد-أسترازنيكا-Oxford-AstraZeneca) فقد أثبتت قابليته على خفض عدد المسحات الموجبة بعد استلام الجرعة الأولى من اللقاح فقط بما نسبته (67 %).
علق الدكتور (جون سوارتزبيرك-John Swartzberg) على هذه النتائج بقوله: (يا لها من نتيجة مشجعة لأنها ستجعلني، وأنا الشخص المسؤول، أشعر بالراحة أكثر من عدم إيذاء الغير وأنا أتجول بينهم بحرية أكثر).
ما درجة الأمان التي سيتمتع بها الحاصلون على المناعة من جرعتي التلقيح الكاملة عند وجودهم في مجموعات بشرية مزدحمة كالمؤتمرات والمنتديات والمقاهي والمطاعم وغيرها؟
يقول الدكتور (سوارتزبيرك) إن قرار الانخراط في تجمعات بشرية كبيرة ومزدحمة كالسابق أمر يحتاج إلى حساب العديد من العوامل كنسبة التعرض للإصابة بفيروس (سارس كوفيد-19) من جراء تلك التجمعات، ونسبة وجود غير الملقحين فيها، لأنه لا يزال هناك احتمال ضئيل أن يصاب بالفيروس بعض من أولئك الذين سبق تطعيمهم بصورة كاملة ضده.
ومع مرور الوقت، وبزيادة أعداد ونسب المطعمين ضد هذا الفيروس، وبلوغ (مناعة القطيع)، وبتناقص أعداد المصابين به، ستمسي التجمعات البشرية المعتادة ومن الحاصلين على التطعيم الكامل أكثر أماناً وأقرب إلى ما كانت عليه سابقاً.
تشدد البروفيسورة (سنثيا ليفير) على ضرورة الاستمرار بالالتزام بقواعد التباعد الاجتماعي، وبقدر المستطاع في الوقت الحاضر، وحتى يتم توزيع اللقاح وتطعيم النسبة الأكبر من السكان. كما وتؤكد على ضرورة الاستمرار باتباع الإرشادات بتجنب التجمعات البشرية الكبيرة، وارتداء الأقنعة الاعتيادية الواقية، والحفاظ على فاصل شخصي لا يقل عن المترين بين شخص وآخر.
من المفيد التأكيد هنا على أنك لن تحصل على المناعة الكاملة والحصانة الأكيدة بمجرد حصولك على التلقيح وتطعيمك ضد هذا الفيروس.
هل توفر اللقاحات الحالية المعتمدة الحصانة المرجوة ضد السلالات الجديدة من فيروس (كوفيد-19) وطفرات تحويراتها الجينية؟
من المعلوم من مبادئ علم الوراثة والجينات أنه كلما ازداد انتشار هذا الفيروس، كلما ازداد احتمال ظهور طفراته الوراثية الجديدة، وهي وسيلة دفاعية طبيعية تتمتع بها الكائنات الحية، ولا سيما الكائنات المجهرية. ولا يمكن توقع متى حدوث ذلك ولا شدته، كما صرحت البروفيسورة (سنثيا ليفير)، كما أنه لا يمكننا الجزم بفعالية اللقاحات المتوفرة ضد هذه الطفرات الوراثية الجديدة إلا بعد إجراء الدراسات السريرية المعتمدة على مستلميها.
هناك لقاحات لم تحصل على إجازة التداول لغرض الاستخدام البشري وما زالت في طور الاختبار مثل لقاح (نوفافاكس-Novavax) والذي انخفضت نسبة كفاءته ضد النوع المتحور من فيروس (كوفيد- 19) والذي أول ما ظهر في جنوب أفريقيا وانتشر عالمياً بعد ذلك من (89.3 %) إلى (49.4 %) وما تزال شركتا (فايزر ومودرنا) عاكفتين على فحص فعالية اللقاحات التي أنتجتهما ضد الأنواع الأكثر انتشاراً من الفيروس المتحور والتي تم اكتشافها في المملكة المتحدة منذ فترة وجيزة.
هل على الأفراد الذين أكملوا الحصول على التطعيم ضد فيروس (كوفيد- 19) الاستمرار في ارتداء الكمامات الواقية عند وجودهم في الأماكن العامة؟
لقد أجمع الخبراء على ضرورة استمرار الجميع بارتداء الكمامات، على الأقل في الوقت الراهن. خصوصاً ونحن ما نزال نجهل من هو المُطعم ومن هو غير المُطعم ممن هم حولنا من الأفراد، الأمر الذي لابد وأن يضع الكثيرين في موضع الشك خصوصاً إذا علمنا بتفاوت الأشخاص لمدى استجابة أنظمتهم المناعية للتطعيم ومدى حصولهم على المناعية المطلوبة فعلاً.
فعلى سبيل المثال عند تطعيم (100) شخص، ستتفاوت قوة واستجابة أجهزتهم المناعية وستتغاير فعالية أجسامهم للقاح رغم ضرورته وإيجابيته. وقد لا يحصل البعض منهم على المناعة الكافية، كما لابد من الاعتراف أنه لا توجد ولحد الآن طريقة معتمدة للحكم على أسلوب استجابة الجهاز المناعي لشخص ما للنوع المحدد من اللقاح، كما لا يمكن الجزم بأسلوب استجابة جسمك أنت لذات اللقاح. وعليه يشكل ارتداء القناع الواقي درجة إضافية من الاستعداد والحماية.
يبقى هناك السؤال المحير، وهو: ما مدى استعداد الأشخاص المطعمين بصورة كاملة ضد هذا الفيروس والذين لا تظهر عليهم علاماته ولا أعراضه من نقله إلى الغير؟ وإلى متى؟
يجزم العلماء أن التوصل للقاح المضاد لهذا الفيروس يعد خطوة كبيرة على الطريق الصحيح، ولكن هناك العديد من الخطوات الأخرى اللازم اتباعها كذلك للحصول على الحماية اللازمة. ويبقى استعمال الكمامة الواقية والحفاظ على التباعد الاجتماعي المناسب من أساسيات الوقاية في الوقت الحاضر، ولا من مبرر علمي للتوقف عن ممارستهما.
هل يوفر التلقيح ضد فيروس (كوفيد- 19) الأمان عند السفر؟
لقد مرت الشهور ولربما الأعوام ولم يتمكن الكثيرون من السفر لملاقاة الأهل والأحبة والأصدقاء وجهاً لوجه، ولكن علينا التأكيد هنا أنه بمجرد حصولك على التلقيح اللازم، لا يعني بالضرورة حصولك على البطاقة الخضراء للسفر متى ما شئت، وحيثما شئت.
لقد كان السفر شأناً شخصياً قبل هذه الجائحة، ولكن علينا الانتباه في الوقت الحاضر ووضع العديد من السيناريوهات في الحسبان، كأن لا يمكن لكائن من كان أن يتوقع أين ستحدث الطفرة التالية لهذا الفيروس، ومتى ستحدث، وهل سيكون أحدنا محصناً ضدها أم لا. علينا ألا نتوقع الحصانة الكاملة من جميع أنواع هذا الفيروس بمجرد حصولنا على اللقاح المتوفر المضاد له.
يعتقد البروفيسور (جون سوارتزبيرك) أنه سرعان ما سيشعر بالراحة والأمان في مخالطة زملائه من مستلمي اللقاح في مجاميع صغيرة محددة، إلا أن السفر جواً في الوقت الحاضر يعد حالة مختلفة تماماً.
عند ولوجك للمطار لن تعلم على وجه التحديد الموجودين فيه؟ هل هم مُطعمون جميعاً ضد الفيروس أم لا؟ بدءاً من الراكب الجالس إلى جنبك مباشرة في الطائرة؟ وعليه لابد أن يمر الكثير من الوقت قبل أن أثق وأطمئن على نفسي من عدم وجود الكثيرين ممن لم يحصلوا على اللقاح ضد الفيروس على متن هذه الطائرة، أو من الموجودين في ذلك المطار.
كم سيمر من الوقت قبل أن نطمئن إلى بلوغ أعداد المطعمين ضد هذا الفيروس العدد الكافي كي يعود المجتمع لممارسة نشاطاته الاعتيادية السابقة؟
لعل العودة إلى سابق عهد العالم قبل عام (2019) لا يزال بعيد المنال في الوقت الحاضر، ولكن على أية حال وبوجود وتوفر اللقاحات حول العالم فإن الشعور بالعودة إلى المألوف، كتناول بعض الوجبات مع الأصدقاء في المطاعم، والعودة إلى صفوف الدراسة بمختلف مراحلها، بل وحتى قضاء الأمسيات الخاصة مع الأحباب، قد تكون في متناول اليد خلال فترة لن تطول.
لقد بلغت أعداد الأفراد الحاصلين على التطعيم الكامل ضد فيروس (كوفيد- 19) ما يقارب (107) ملايين عبر العالم. حصل ما يقارب (3 % ) من مجموع سكان الولايات المتحدة الأمريكية على اللقاح بصورة كاملة، ومن المتوقع أن تبلغ نسبة التلقيح الجزئية لـ (70 %) من سكانها بحلول منتصف شهر أيلول (سبتمبر) القادم وفقاً لمعدلات التلقيح الحالية. ويؤكد الخبراء أن علينا تلقيح ما لا يقل عن (70 – 80 %) من السكان قبل بلوغ البلاد مرحلة مناعة القطيع.
وفي خلال طريقنا لبلوغ مرحلة مناعة القطيع سيكون هناك بعض علامات استعادة العافية للمجتمع وفعالياته المعتادة. يقول الخبراء إنهم سيشعرون بالراحة أكثر كلما قل تسجيل حالات الإصابات الجديدة، مما يعني انخفاض نسب التعرض للفيروس واحتمالاتها.
أما السيناريو المتوقع بعد التوصل لمناعة القطيع فسيكون كحالة انتقالية، أي كما كان الحال قبل تفشي هذه الجائحة. أما الخطوات المتوقعة فهي الحد من الإصابات وتقليلها بصورة عامة، وبالأخص الإصابات الحرجة التي تستوجب الإدخال للمستشفى، وتقليل أعداد الوفيات بالطبع. كل ذلك من خلال تطعيم أكبر عدد ممكن من سكان المعمورة. أما الطريقة المثلى لمتابعة تفشي وانحسار هذه الجائحة فستظل عن طريق متابعة الملامسين ومن هم بقرب المصابين. ولكن الذي حدث في الولايات المتحدة الأمريكية، وحسب رأي الخبراء، عجز السلطات الصحية عن المتابعة بسبب كثرة الإصابات.
تؤكد البروفيسورة (ليفير) اعتقادها بفعالية التطعيم عند اعتماد الخطط المبتكرة في التصنيع والتوزيع، وتستبشر خيراً ببلوغ هذه الأهداف عند نهاية صيف عام (2021) القادم. عندها قد يمكن للطلاب العودة لصفوف مدارسهم وجامعاتهم دون وجل من خطر الإصابة بالفيروس، كما من المتوقع أن تنحسر قيود السفر جواً في معظم دول العالم.
لا أحد يقول بعظمة التطعيم وكونه الأداة السحرية لمنع الإصابة، ولكنه وبلا شك سيقلل من خطرها وأعدادها، وسيساعد على عودة التواصل الاجتماعي مع من نحب في أقرب وقت بإذن الله تعالى.
د.إيمان نوري الجنابي – العراق