صادق ناشر

البريد الإلكتروني للسيدة هيلاري كلينتون، وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة، ليس عادياً، فقد حمل المئات من الرسائل إن لم يكن ألغاماً أميط اللثام عن بعضها مؤخراً. وبالتأكيد تم الإبقاء على أخرى أكثر حساسية من تلك التي تم تسريبها، وتكشف طبيعة السياسة التي اتخذتها الولايات المتحدة في عهد الرئيس الديمقراطي باراك أوباما تجاه منطقة الشرق الأوسط والعالم بأسره.

بالطبع كان نصيب الأسد من الرسائل المسربة، تلك المتعلقة بموجة الربيع العربي التي بدأت في تونس نهاية عام 2010، قبل أن تمتد في العام الذي يليه إلى عدد آخر من الدول، حيث كشفت عن حالة من الصدمة لكثير من المتابعين الذين كانوا يعتقدون أن هذه الموجة من الثورات كانت طبيعية وعفوية؛ بل واعتبر البعض الآخر، أن الإساءة إلى هذه الثورات إنما تأتي بُغضاً للحرية ومساندة للأنظمة القائمة، غير أن الحقيقة أظهرت لاحقاً أن التخطيط والترتيب كان أمريكياً بامتياز، فقد تم التمويل مالياً وإعلامياً للإمعان في التخريب والتدمير.

لا يعني ذلك أن الأنظمة التي كانت قائمة قبل موجة الربيع العربي، منزهة عن الأخطاء، فقد كانت تعيش أزمة ثقة مع شعوبها، وفي كل الدول التي قامت فيها الاحتجاجات كانت الأوضاع فيها تصل إلى حافة التوتر والانفجار، لكن الموجة جاءت لتسرق آمال التغيير التي كانت تطمح إليها المعارضات الداخلية، واستبدلتها بقوى سياسية كانت تتربص بالأنظمة وإسقاطها.

وما ساعد القوى السياسية التي ركبت موجة الاحتجاجات، هو التأييد الأمريكي العلني لها؛ بل إن مسؤولين في الإدارة الأمريكية في عهد أوباما استقبلوا شخصيات اعتبرت رموزاً للعهد الجديد، وساعدوها في استلام السلطة أو على الأقل الاقتراب منها، كما حدث في مصر واليمن وليبيا وسوريا.

وفيما أحبطت هذه المساعي في تونس ومصر وسوريا، مع اختلاف الأسباب والظروف، فإن دولتين أخريين انجرفتا نحو مآلات أسوأ، هما ليبيا واليمن. فالحرب في هذين البلدين لا تزال قائمة حتى اليوم، وتقسيمهما يسير بوتيرة متسارعة؛ الأمر الذي يطرح أسئلة عن الدور الذي لعبته القوى التي جاءت إلى الحكم بعد سقوط الأنظمة في كلا البلدين، فالزعيم الليبي معمر القذافي والرئيس اليمني علي عبدالله صالح، لم يكونا ديمقراطيين حتى يتعاطف معهما شعباهما؛ بل قدما نموذجين رديئين في الحكم، دفعا بكثير من القوى السياسية للخروج إلى الشارع ضدهما، لكن من حل محلهما قدم نموذجاً أسوأ.

ومع أن المفارقات تبدو واضحة بين الوضعين في البلدين، من حيث المساحة الجغرافية والثروة وعدد السكان، فإن الشيء الذي جمعهما يكمن في التركيبة المجتمعية، وهي عبارة عن تكتلات قبلية ودينية، اخترقتها جماعات سياسية تتخذ من الإسلام شعاراً ومن الدجل سلوكاً، وهو ما يجنيه الشعبان اليوم من رصيد تاريخهما ووحدتهما.

Sadeqnasher8@gmail.com