قراءة في رواية غفوة ذات ظهيرة.. غفوة قصيرة وراءها مأساة عريضة
يُعد عبدالعزيز الصقعبي من الكتاب السعوديين المثابرين والمتابعين للشأن الثقافي بشكل جيد، ناهيك عما تقلده من مناصب وظيفية متعلقة بالشأن الثقافي، فلديه رصيد كتابي يربو سنة بعد سنة، أصدر أربعة عشر كتاباً، بين رواية، ومجموعة قصصية، ومسرحية، وعُملت دراسات نقدية لأعماله.
من ضمن أعماله، نوقش في بيت السرد بجمعية الثقافة والفنون بالدمام، رواية “غفوةٌ ذات ظهيرة” الصادرة عن دار الساقي – بيروت 2018. وهي إحدى أهم الأمثلة على تجربة الصقعبي في الكتابة السردية التي تتكئ على ثقافة ووعي الشخصية الرئيسية “منير” الحداثي الصامت، بطل الرواية، و”الغفوة” التي في أول العنوان هي الحالة التي اختارها الروائي لكتابه، والذي يتعرض فيه بطريقة روائية سيرة حياة “منير” السارد والمتناوب مع ذاته، الذي لم يكن منير اليتيم أو اللقيط، ولا المثقف أو الكاتب، ولا الحداثي أو الصحوي، إنما منير فقط.
توحي تلك الحالة بأن الأحداث التي يرويها كلها خيالية غير أن طريقة رواية الأحداث ورسم الشخصيات تعطي انطباعاً بأن للواقع دوراً أساسياً في تلك السيرة.. فهناك اشتغال على جعل بعض الشخصيات شبه نموذجية.. وفي نفس الوقت لم يهتم الكاتب بأن يجعل من حياة البطل شخصية مثالية.. إلا في تماسها مع بعض المواقف التي يرويها لنا.
الحكاية تتلخص في أن أم منير مرضت بعد ولادته، فيحدو والده الأمل بأن يعالجها ولم يجد بُداً إلا السفر بها إلى جمهورية مصر العربية للعلاج، فيودع الوالدان الطفل “منير” لدى عائلة صديقة ويسافران إلى الخارج. وفي غفوة من العائلة الصديقة يخرج الطفل ويجلس على عتبة الباب، وهو يومئذٍ صغير بالكاد يخطو خطواته الأولى.
أثناء تلك الغفوة، في تلك الظهيرة، في منتصف القرن التاسع عشر، تبدأ ورطة منير العبدالله، مع الغفوة القصيرة تقف وراءها المأساة العريضة؛ حيث يحترق البيت الذي أودع فيه عند العائلة الصديقة بالطائف، ويموت كل من في البيت، الأم والأب والابنتان، بينما منير يلتقطه مسعود من قبالة الباب وينجو به، فلا يجد له أهل أو أقارب، فيتبناه مسعود الذي لم يتزوج طيلة حياته. ويبدأ منير في دوامة البحث عن الذات والأهل والمصير. وتمر السنين لا تتوقف فيها الأحداث والمطالب، ثم يكبر والده بالتبني ويقرر أن يوصي بثلث ماله لمنير.. سوى أن السائق الذي كان يقود السيارة على طريق الهدا، صعوداً من مكة إلى الطائف بمعية مسعود الذي كان في غفوة في السيارة ومعه الوصية، فيهوي بالسيارة في أحد المنحدرات، ويتوفى السائق ويستمر مسعود في غفوته الطويلة، عندئذ تفقد الوصية، وبعد فترة يتوفى مسعود.. ويجرد أخوة مسعود ابنه منير بالتبني من ملابسه ويطردوه إلى خارج المنزل كي لا يحصل على شيء من الورث. بعد الغفوة الثانية التي يصفع بها منير ويتغير فيها مسار حياته، يقرر السفر إلى الرياض ليكتشف أنه يقضي عقوبات زواجات فاشلة، لعدة أسباب كان أبرزها عدم معرفة أصله وفصله. فعاصر منير القارئ النهم، أحداث وتيارات وثقافات متعددة (صحوة، حداثة، جهاد، حروب).
وبعد أن آن له أن يتقاعد من عمله البسيط في الشركة الخاصة، اتصل به شخص اسمه عبدالعزيز، وكان منير يسمعه بكل برود وشبه استنكاف، أخبره أنه يعرفه ويعرف أسرته، وطلب منه أن يدون له سيرة مختصرة ليعرضها على عائلته.
كانت متعة السرد في “غفوة ذات ظهيرة” تأتي من التكنيك الذي اتبعه الكاتب في حكاية الأحداث، فهو يجمع بين التدوين للسيرة الذاتية لـ منير حيث الفقد والوحدة والكتب والأوراق والقلم، والمفاجآت والتشعبات الكثيرة التي كانت تحدث أثناء ذلك. كرفض قبوله كزوج لعدم معرفة أصله، واحتيال اخوة مسعود عليه لعدم حصوله على أموال من تركة والده بالتبني مسعود، وغيرها كثير ما يحفز ذهن القارئ ويشوقه للمتابعة.
يمكن أن نطلق على أسلوب عبدالعزيز الصقعبي في هذه الرواية “أسلوب الصدمات” إنما ليست الصدمات التي تُقدم لمجرد الوقوف عندها، فالرواية كشفت لنا الأحداث التي كانت تجري في المجتمع خلال ذلك الزمن، المجتمع المحتاج لرفع الوعي لديه، وما يسود فيه من تناقضات وفساد. وفيه جهد محترف على نماذج إنسانية تُرغم المتلقي على التعاطف معها والإحساس بإنسانيتها رغم مظهرها المنفر.
سعد أحمد ضيف الله