فيصل بن بندر وريحة عسير
في مشهدية ذات سمة تثير الدهشة، وخطاب لا يخفي دلالة النبل الوجداني، والتواصل الحميم، والعبارة الوضيئة المكتسبة صفة الإشراق والتجلي وطلاقة المحيا، وذخيرة المشاعر المتعاظمة التي يستحيل زحزحتها بفعل الانتقال والمتغير الجغرافي داخل الوطن، أو التجارب الإدارية الثقيلة التي نهض بها، خدمة للقيادة والأرض وأهلها، «أشم ريحة عسير» عبارة استهلالية أطلقها سموه كمثل شهاب أخضر، وبريق مصباح مقمر، وابتسامة فجر لا يغيب، وغناء ينبوع أبهاوي، أطلقها قبل أن يدخل إلى بهو المجلس في لحظة جمالية، ومعطى إنساني يفيض بالغبطة والمسرة وأفراح الكبار، «أشم ريحة عسير» كانت مفتاح العبور إلى عبق الأحاديث ودفاتر الذكريات، والإفصاح عن المكنون من المواقف والمرويات المخزونة في منطقة عسير وأبعادها وتحولاتها الاجتماعية والحضارية والثقافية، «أشم ريحة عسير» بعثت في نفوسنا مشاتل من نور، ومدائن من بياض، وأعراسا كدفء ليل الرياض في ذلك المساء المبهج والمختلف، قلنا للأمير فيصل بن بندر بن عبدالعزيز: جئناك من جبل الشموخ والرفعة والولاء، إلى مسرجة الكون والحضارة، وقلعة الإباء والكرامة، وعاصمة الروح وحمحمات المجد والكبرياء، جئناك من عاصمة الجمال، وموال التلال، وعطر السلال المترعة بالوفاء والعطاء، جئنا إلى عاصمة العرب والمسلمين، وضمير الأمة وروح الإنسانية، ومطفئة الحرائق في بلاد الله، ومجبرة الكسور في بقاع المعمورة، جئنا إلى عاصمة سلمان بن عبدالعزيز، لنقول لك: «شكرا» لارتفاع قدرك ومنزلتك في قلوب أبناء منطقة عسير، إن الذي بيننا وبينك مثل ما بين العين وماء العين، ومثل ما بين الشمس وأوردة النهار، جئنا لأنك واحد من الرموز والقادة العظام الذين صنعوا التنمية في ديرتنا ووطننا عسير ذات زمن بهي، وعصر مشرق، وبهجة لا تموت ولا تنسى، جئنا لأنك ساكن في سويداء القلوب ومهوى الأفئدة، لنقول لك إن غراس الأمس التي زرعتها بصحبة رفيق دربك، وصديق عمرك وعملك، الأمير خالد الفيصل الرجل القيمة والقامة وصانع المعجزات في عسير، قد أينعت شوامخ من الطموح وعزمات من العطاء المدجج بالتفوق والإبداع والتضحية والبناء، لقد كنت يا صاحب السمو تجسد الإخلاص في أسمى مظاهره، لقد أديت الأمانة والرسالة بوعي القائد، وحنكة الرائد، وعزيمة المؤمن، وطهر الصادق، إننا نعرفك جيدا يا صاحب السمو بأنك زاهد في المديح، والتبجيل، والتمجيد، ولكن لم نقل إلا صدقا من باب الوفاء، وكلمة الحق، التي حملتها جماعة «عطاء ووفاء» وتبناها صاحبها وعرابها الأستاذ «ناصر العواد» والتي وقف بعض أعضائها بين يديك في ذلك المساء الرائع، يا صاحب السمو لقد حملتنا كل رابية في عسير، وكل حقل كساه الشيح والأثب، وكل قطرة ماء في حناجرنا، وكل نجمة صبح وهي تنتصب، وكل ضحكة طفل في مرابعنا، وكل فرحة شيخ هزه الطرب، وحملتنا عسير من تهائمها إلى ذراها سلاما شوقه يثب، لصانعي المجد إنجازا وتضحية، فنحن قوم لمعنى الشكر ننتسب، فشكرا يا صاحب السمو ما أورق صخر في عسير، وما استيقظت عرعرة في جبال السودة، وما عبرت شمس على شرفات الحصون الرغيدة في ديرتنا، شكرا لذلك الحديث المسائي الجاذب والمؤمن، ووثيق الصلة بعسير وإنسانها، وما فيه من تطلع ينم عن شخصية عارفة بكل مفاعيل تلك الأرض الخصيبة والمتأصلة والمدركة لمعنى الحياة وفضاءاتها، وقدرته على التكيف والصعود الدائم، والنزوع نحو الفرادة والأسبقية، والتنامي المطرد في كل مراحل أطواره الحياتية.
Next Page >