فوضى الميليشيات
صادق ناشر
الفوضى التي يمكن أن تتسبب بها الميليشيات المسلحة التي تسطو على السلطة، ولا تريد تركها، أسوأ من الانقلابات ذاتها، خاصة إذا كانت هذه الميليشيات تأخذ الطابع الديني، كما هو حاصل في ليبيا والعراق واليمن؛ فبعض الانقلابات يُزاح منفذوها من السلطة من دون فوضى؛ كتلك التي تحدث عند إخراج الميليشيات المسلحة؛ ذلك أنها غير نظامية؛ ولا تخضع لمؤسسات عسكرية.
مظاهر الجماعات المسلحة في عدد من البلدان العربية تؤكد حالة المفهوم المعكوس لإدارة الدولة؛ فهذه الجماعات لا تعترف أصلاً بالدولة، ولا بالعمل المؤسسي، وكل همها هو القبض على السلطة بكل الإمكانات المتاحة، وأول خطوة لها تكون استبعاد النظام المؤسسي من أي نشاط لها؛ ما يخلق الفوضى، لتحل في كل مكان، ونرى ذلك، على سبيل المثال، في الصراع القائم بين الميليشيات الموالية لحكومة الوفاق الوطني في ليبيا، ونظيرتها في العراق؛ حيث لا تزال قوات «الحشد الشعبي» تشكل قلقاً للدولة العراقية، ولا تخضع لأوامرها.
في طرابلس الليبية، هناك قلق واستنفار؛ بعدما أمر وزير الدفاع بحكومة الوفاق صلاح النمروش، قبل يومين، بعودة كافة الميليشيات إلى مقراتها؛ خشية اندلاع مواجهات مسلحة على خلفية اعتقال أحد مهربي البشر، ويُدعى عبد الرحمن ميلاد، المنتمي إلى ميليشيات الزاوية التي وصلت إلى طرابلس؛ لمساندته. وفي العراق ترفض قوات «الحشد الشعبي» الاستجابة لمناشدات رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي بالكف عن إثارة القلاقل الأمنية، ولا تزال مستمرة في استعراض قواتها في شوارع العاصمة بغداد، وبعض المناطق الأخرى.
من إذاً يستطيع السيطرة على هذه الميليشيات؟
الجواب عن هذا السؤال يقودنا إلى معرفة من يشجع هذه الميليشيات في الأساس، ومن يمدها بالمال والسلاح، وجميعنا يعرف أن هذه الميليشيات تأتمر بأوامر تأتيها من الخارج، فمن المعروف أن هناك دولاً لا تزال تعتقد أن بإمكانها تحقيق أجندتها عبر تبني جماعات إرهابية تكون بديلاً للسلطات المحلية في هذا البلد أو ذاك، ولهذا تعمل على توسيع نطاق التمرد عليها عبر خلق ميليشيات تكون شوكة في خاصرة هذه الأنظمة، والهدف إشغالها عن الاضطلاع بدورها الرئيسي في تحقيق الاستقرار، وتوحيد المؤسسات العسكرية؛ لأن مثل هذه الخطوات تُفقد الخارج قدرته على دس أنفه في الشؤون الداخلية، ما يجعله يوكل لهذه المهمة للجماعات المسلحة؛ عبر المشاغبات التي تقوم بها.
ولا يقتصر الأمر على الميليشيات المحلية؛ بل زاد الأمر سوءاً بتصدير المرتزقة، الذين يأتون لأداء وظيفة معينة تخدم هذه الدول، والهدف بالطبع خلط الأوراق في المشهد كله، كما يحدث اليوم في ليبيا، التي يأتي إليها مئات المرتزقة من سوريا والعراق؛ لأداء وظيفة محددة؛ وهي الدمار وليس البناء.
Sadeqnasher8@gmail.com