فريد الأطرش
د. حسن مدن
حسناً أن يُذكّرنا محرك البحث «جوجل»، بين الحين والآخر، برموزنا الفنية والثقافية والأدبية، والشخصيات المؤثرة في تاريخنا، وهذا ما فعله، أمس الأول، حين اختار «بروفايل» الموسيقار الكبير فريد الأطرش، بمناسبة مرور 110 أعوام على رحيله، ليضعه على صدارة الموقع، وبجواره آلة العود التي برع الأطرش في العزف عليها، إضافة إلى رسوم لنوتات موسيقية.
أتى فريد الأطرش وهو فتى صغير، مع والدته وشقيقه فؤاد وشقيقته أسمهان، إلى القاهرة، من بلدتهم في جبل الدروز بسوريا هرباً من بطش الفرنسيين الذين طاردوهم، انتقاماً من دور والده فهد الأطرش الذي كان من زعماء المقاومة السورية للانتداب الفرنسي على سوريا.
مثل كثيرين غيره من النخب الموهوبة في الفن والموسيقى والأدب والصحافة الآتية من بلاد الشام إلى القاهرة والإسكندرية، وجد فريد الأطرش وشقيقته أسمهان في مصر البيئة الحاضنة لمواهبهما الغنائية، التي ورثاها من والدتهما علياء حسين المنذر، المتحدرة من الشوف بجبل لبنان، والتي كانت عازفة على العود ومغنية أيضاً.
ولكن ذلك لم يتم بسهولة أو بسرعة، وعلى ما يذكر د. نبيل حنفي محمود في كتابه عن «الغناء المصري»، فإنه بعد أن نفد ما حملته الأم معها من مدخرات قليلة، كان عليها أن تبحث عن وسيلة لتأمين عيشها وأبنائها، فعملت في بعض الحرف البسيطة، كصناعة مناديل الرأس، ومن ثم تقديم فقرات غنائية في صالات روض الفرج وبعض الإذاعات الأهلية.
أما فريد نفسه فقد التحق بمعهد الموسيقى، وعمل، في الوقت نفسه، في بيع الأقمشة وتوزيع الإعلانات، لمساعدة والدته في تصريف أمور الحياة، قبل أن ينضمّ كعازف للعود إلى فرقة بديعة مصابني، ليلفت الأنظار إليه كعازف ثم مطرب، وذاع صيته حتى وصل إلى الإذاعة المصرية، التي أطلقت أغنيته الأولى «يا ريتني طير»، التي ما زالت وستظلّ حية.
نقل حنفي في كتابه المشار إليه آراء عدد من الدارسين ممن كتبوا عن التجربة الفنية لفريد الأطرش، وبينهم فيكتور سحاب، وسعد الله آغا، ومحمد فتحي الذي رأى، وهو يبحث في مصادر تكوين التجربة الموسيقية والغنائية لفريد الأطرش ، أنه يبدو في معالجته للمقامات الشرقية ملتزماً بما أقرّه ملحنو العصر الذهبي للغناء في فترتي الدولتين الأموية والعباسية.
وجرت إشارة أيضاً إلى أثر ما اختزنته حافظته في جبل العرب من ألحان التراث، ومن والدته نفسها، وكذلك من موسيقيين رواد مثل داوود حسني ومحمد القصبجي وزكريا أحمد، إضافة إلى تميزه بسلامة النطق باللغة العربية ومخارج حروفها.
madanbahrain@gmail.com