عدم التفريط في الأمن القومي الأمريكي
إلبريدج كولبي *
مع استمرار جائحة «كورونا»، وتزايد الخسائر الاقتصادية، دعا السياسيون والمراقبون على جانبي الانقسام السياسي الأمريكي إلى خفض ميزانية الأمن القومي من أجل إنفاق المال على الأمور الأكثر إلحاحاً. ووفقاً لهذا المنطق، فإن ميزانية الدفاع متضخمة، والعجز الفيدرالي مستمر في الارتفاع، لذا على وزارة الدفاع أن تقوم بعملها على أكمل وجه، بموارد أقل.
وعلى الرغم من أن الاستعداد للجائحة المقبلة أمر بالغ الأهمية، فلا يوجد مبرر لمقايضة الأمن في الخارج بالسلامة في الداخل عندما يكون كلاهما ضرورياً. وقال مراقبون، بمن فيهم السيناتور المستقل بيرني ساندرز، إن التهديدات المحلية، مثل الأوبئة، ستصبح مصدر قلق أمني أكبر من الخصوم الأجانب. لكن ذلك ليس واقعياً، فلا يمكن لجائحة أن تجعل المشاكل الأمنية للولايات المتحدة تختفي، إلا أنها في الواقع قد تزيدها سوءاً. ولم يعد بإمكان قادة البلاد التهرب من الخيارات الصعبة، أو تأجيلها، ومع وجود فترة مرتقبة من التقشف المالي، لم يعد هنالك مجال للمراوغة.
وفي ظل هذه الظروف، تتمثل الخطوة الأولى في إعادة تأكيد ما تريد الأمة من جيشها تحقيقه. ومن دون وجود أي استراتيجية إرشادية، تصبح عملية اتخاذ خيارات صعبة بالنسبة للميزانية عشوائية. وهنا، تبقى استراتيجية الدفاع الوطني لعام 2018، التي حددت منافسة القوى العظمى، وعلى رأسها الصين، أمراً أساسياً للحفاظ على أمن الولايات المتحدة، وحريتها، وازدهارها.
وتحت بند هذه الأولوية، يجب أن يكون هناك إجماع في ما يتعلق بأدوار ومهام القوات المسلحة الأمريكية، وكيفية متابعتها. وكما يوضح رئيس أركان القوات الجوية الجديد، تشارلز براون، فإن على الجيش الأمريكي التحرك للتكيف مع واقع منافسة القوى العظمى، أو أنه سيخسر. وفي الوقت ذاته، اتخذ وزير الدفاع، مارك إسبر، بالفعل خطوات لتنفيذ مراجعة شاملة لبرنامج الدفاع الوطني.
ولكن هنالك بعض المجالات التي لا يمكن أن يجري عليها هذا التغيير بصورة سريعة. ولكي تتفوق القوات المسلحة الأمريكية في منافستها طويلة الأمد على القوى العظمى، يجب أن تكون هنالك أسبقية في التحضير للفوز بالحروب، وتوفير التدريبات العسكرية المستمرة لمئات الآلاف من الجنود.
ولتحقيق هذه الغاية، على «البنتاجون» إعادة تقييم جدوى بعض مهام حفظ السلام، وحتى لو كانت المبالغ الموفرة منها متواضعة. فعلى سبيل المثال، ومع تركيز القوات البحرية على المحيط الهادئ، على القادة إعادة النظر في تخصيص الأصول الثمينة بعيداً عن المهام الأقل إلحاحاً، مثل جهود مكافحة القرصنة في القرن الإفريقي. وبالمثل، يجب ترك جهود مكافحة المخدرات لخفر السواحل، وهيئة الجمارك، وحماية الحدود الأمريكية، وإدارة مكافحة المخدرات.
وفي الوقت الحالي، لا تعكس الميزانية نية الاستثمار في الأسلحة والقدرات الدفاعية التي تمنح الولايات المتحدة ميزة في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، مثل الأنظمة الدفاعية غير المأهولة للقوات الجوية وسفن الروبوتات التابعة للبحرية. وبعد عامين من إصدار استراتيجية الدفاع الوطنية، من الأهمية بمكان أن تحدد وزارة الدفاع بسرعة مفاهيم عملياتها الجديدة والتي توفر التوجه لتطوير القوات العسكرية، وترسانتها.
ويبدو أن أركان «البنتاجون» الأخرى غير متأثرة بالتحوّل إلى منافسة القوى العظمى. ومنذ ما يقرب من عقدين من الزمن على إنشائه، لم يشهد حساب عمليات الطوارئ الخارجية، الذي يشار إليه غالباً باسم «ميزانية الحرب»، أي انخفاض ملموس، على الرغم من انخفاض مستويات القوات بشكل ملحوظ في سوريا والعراق وأفغانستان. إن التمثيل الدقيق للميزانية الأساسية الحقيقية لوزارة الدفاع والتي تمتد حالياً إلى ميزانية الحرب، سيساهم في تعزيز الشفافية حول مواءمة موارد الولايات المتحدة، واستراتيجياتها.
وزادت جائحة «كورونا» من الضغط على ميزانية الدفاع، ولكنها لا تلغي أهمية الأمن القومي. ومع دخول الولايات المتحدة في ضغوط متعلقة بالميزانية، من الضروري أن يقوم الكونجرس والبيت الأبيض والبنتاجون بتنفيذ استراتيجية الدفاع الوطنية كوسيلة لتحقيق أفضل استخدام للأموال والموارد المتاحة.
* نائب مساعد وزير الدفاع لشؤون الاستراتيجية وتطوير القوات الأمريكية السابق (فورين بوليسي)