ظاهرة محمود ياسين
يوسف أبو لوز
لم يمتلك محمود ياسين وسامة حسين فهمي، أو جاذبية عمر الشريف، أو «فَتْوَنَة» فريد شوقي، أو رومانسية عماد حمدي، ولكن فيه شيئاً دائماً من هذه الصفات التي ارتبطت بكبار السينما المصرية، وهو وحده ظاهرة سينمائية عربية ارتبطت بمرحلة السبعينات، مرحلة الخفّة واللون والأناقة والحيوية في تلك السينما التي تربّى على قيمها الجمالية والإنسانية الجيل العربي السبعيني الذي خرج من نكسة 1967 مكسوراً، ليجد بعض الأمل بعد أكتوبر 1973، وبعيداً عن السياسة التي طبعت السبعينات ومقدّماتها ونتائجها، يعرف جيل ذلك العِقْد السبعيني ما طرأ على الثقافة والفنون والأدب والمسرح والسينما من تحوّلات جعلت منه عِقْداً ذهبياً كما يقولون، لا بل استولد الحنين إلى تلك السبعينات توصيفاً متداولاً هو «الزمن الجميل» في مصر تحديداً: أم كلثوم، فريد الأطرش، عبدالحليم حافظ، عفاف راضي، شادية، فايزة أحمد، يوسف شعبان، سيّد مكاوي، محرم فؤاد، وغيرهم من فنانين على مستوى الموسيقا والغناء، وإلى جوار هؤلاء الكبار صفوف سبعينية من نجوم المسرح والفنون البصرية والتشكيلية والشعر والرواية.
في تلك السبعينات الذهبية سطع نجم محمود ياسين الذي ترك لتاريخ الفن العربي نحو 65 مسلسلاً في الدراما التاريخية والاجتماعية والدينية، وفي المسرح والأوبريت له حضور في حوالي 20 عملاً فنياً، فضلاً عن حوالي 14 عملاً إذاعياً.
لكن ما جعل محمود ياسين ظاهرة ثقافية فكرية جمالية محترمة على مستوى عربي ومصري هي السينما، فله أكثر من 150 فيلماً غالبيتها ذهبت البطولة فيها إلى شخصيته الكاريزمية الجاذبة على أكثر من مستوى: مستوى الأداء، والتمثيل، والحضور، والصوت، وفي جميع هذه الأعمال السينمائية لمحمود ياسين لم يهبط ولم يتراجع ولم تفتر
شخصيته المبدعة، وأكثر من ذلك، أو، أهم من ذلك أن محمود ياسين لم يقبل أي عمل سينمائي ضعيف أو تجاري أو على طريقة «الجمهور عايز كده»، فهو فنان يحترم نفسه، أو أبقى على هذا الاحترام في كينونته الفنية بواقعية، وكبرياء، وتقدير لتاريخه وتراثه السينمائي الغزير.
تخرج محمود ياسين في كلية الحقوق (جامعة عين شمس) في العام 1964، ولكن كان المسرح بشكل خاص يناديه ويولد في أعماقه، لكن ما بعد المسرح كانت السينما، وبشكل خاص سينما السبعينات التي قدم خلالها حوالي 75 فيلماً، أي بمعدّل 7 أفلام في العام، وفي الثمانينات قدّم محمود ياسين، أكثر من 50 فيلماً، وفي التسعينات حوالي 15 فيلماً، جعلت منه، مرة ثانية، ظاهرة سينمائية، أو الأصح مدرسة سينمائية مصرية لها أخلاقيات وقيم وأصول.
غياب محمود ياسين هو غياب واحد من الرجال المحترمين في السينما العربية التي من شأنها أن تنتج ثقافة جمالية رفيعة.
yabolouz@gmail.com