«طبّاخ» بوتين!
يونس السيد
بعد أسابيع قليلة من فرض واشنطن عقوبات على شركات ومسؤولين روسيين يرتبطون برجل الأعمال يفجيني بريجوجين المقرب من الرئيس بوتين والمعروف ب«طباخ الرئيس الروسي»، سارع الاتحاد الأوروبي إلى فرض عقوبات مماثلة على مقربين من بوتين، بمن فيهم بريجوجين نفسه، وإن اختلفت الأسباب في الحالتين.
«طباخ بوتين» هنا ليس هو من يطهو الطعام للرئيس الروسي، كما قد يتبادر للذهن، ولكنه المسؤول عن ملفات سياسية واقتصادية في الإدارة الروسية، ويتمتع بشبكة علاقات واسعة في الخارج، أسهمت في توسيع نفوذ روسيا في إفريقيا الوسطى، وفق ما تقول وزارة الخزانة الأمريكية، بينما طالت العقوبات أيضاً أطرافاً مرتبطة بجهاز الأمن الفيدرالي الروسي على خلفية اتهامات بالتدخل في الانتخابات الأمريكية.
ووفق الوزارة الأمريكية، فإن العقوبات طالت كيانات وأشخاصاً يعملون لصالح بريجوجين، في إطار شبكة دولية تدعم نشر النفوذ السياسي والاقتصادي الروسي في العالم بأكمله، في وقت يخضع فيه بريجوجين نفسه للعقوبات بتهمة إدارة وتمويل «وكالة أبحات الإنترنت الروسية» المستهدفة أيضاً بعقوبات أمريكية.
على الجانب الآخر، تستند العقوبات الأوروبية إلى قضيتين: الأولى محاولة تسميم المعارض الروسي اليكسي نافالني، معللة ذلك بأن لديها أدلة على أن عملية التسميم تمت بمواد كيماوية، وأن مثل هذه العملية لا يمكن أن تتم بمعزل عن الفريق الرئاسي. والثانية هي ما تعتبره تدخلاً روسياً في الحرب الليبية عبر إرسال مقاتلين من مجموعة «فاغنر» غير النظامية التي يربطها البعض ببريجوجين نفسه، وكلتا الحالتين يعتبرهما الأوروبيون انتهاكاً للقانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة، ويعتقدون أنه حان الوقت لاستخدام أسلحتهم السياسية والاقتصادية قي فرض احترام القانون الدولي، لكن الأهم بالنسبة للأوروبيين، هو أن هذه العقوبات ضد روسيا، حملت ضمناً رسالة تحذيرية إلى تركيا المتورطة في سلسلة من الصراعات بدءاً من سوريا وليبيا، وصولاً إلى ناجورنو كاراباخ، والتنقيب عن النفط والغاز شرقي البحر المتوسط. فهذه كلها يعتبرها الأوروبيون خرقاً للقوانين الدولية ومواثيق الأمم المتحدة، وبالتالي فهم يعدون العدة لفرض عقوبات جادة قد تكون لها عواقب وخيمة على تركيا، ربما تظهر في القمة الأوروبية المقبلة. هذا على الأقل، ما يستشف من تحذير رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، التي ألمحت إلى وجود «خطة أوروبية تم تطويرها وجاهزة للاستخدام على الفور»، قبل أن تضيف: «إذا واصلت أنقرة أعمالها غير القانونية، فسنستخدم جميع الأدوات المتاحة لنا».
لكن السؤال الذي يبقى حاضراً دوماً هو: هل العقوبات سلاح فعال يمكن استخدامه بنجاح في تغيير سلوك الحكومات والدول وإجبارها على الرضوخ، أم إن الأمر لا يتعدى التوظيف السياسي والاستثمار داخلياً وخارجياً في مجالات معينة، كالانتخابات مثلاً، أو تنفيذ أجندات معينة، أو حتى على سبيل الانتقام من الجهات المستهدفة؟ ربما تؤثر العقوبات في بعض الكيانات والأشخاص، أو ربما تُلحق أضراراً كبيرة باقتصادات بعض الدول، ولكن لم يثبت حتى الآن أنها أطاحت حكومات بعينها، أو أجبرتها على الرضوخ والاستسلام، أو تغيير سلوكها في أقل الأحوال.
younis898@yahoo.com