تقارير

سوار من الفضة حول الإمارات

المصدر

يوسف أبو لوز

يحيط الماء بجغرافيا الإمارات مثل سوار من الفضة، فهو ابن البحر الذي أطعم الصيّادين السمك، وَقَلّدهم باللؤلؤ، والبحر أيضاً في الإمارات شقيق الصحراء، والبحر موانئ، وسفن، ومراكب، وانتظارات بحّارة تحوّلت أجسادهم إلى لون النحاس، وشواطئ تنتظر العائدين بالرزق والخير من الماء الذي جعل الله منه كلّ شيءٍ حيّ.
ثقافة البحر، ومجهوله، ومعلومه، ورموزه، وأبجدياته أحاط بها وبتكثيف معرفي مركّز الشاعر والمفكر والقارئ البحثي الاستقصائي عبد العزيز جاسم، ابن بيئة البحر وامتداداته وعطاءاته في رأس الخيمة، وذلك في كتابه الإشاري التحليلي المعمّق «مجهول البحر ومعلومه» من إصدارات دائرة الثقافة في الشارقة في العام 2002. والكتاب الذي يقع في 88 صفحة من القطع العادي، هو دراسة مطوّلة نُشرت للمؤلف في ست حلقات متتالية في ملحق «الخليج الثقافي» في الفترة من 24/12/2001 حتى 28/1/2002.
ثقافة البحر في الإمارات، وثقافة الأنهار في العالم هاجس معرفي فكري فلسفي عند عبد العزيز جاسم الذي يفكر ويحلّل ويفلسف أية ظاهرة جغرافية أو تاريخية أو ثقافية مشدوداً دائماً إلى سرّة وسريرة الشعر، فهو شاعر في كل أحواله ومقاماته إن كانت الحال فكراً، أو كانت المقامة فلسفة.
يكتب عبد العزيز جاسم بدقة ووزن وهندسة، ليس بالطبع الوزن العروضي، وليس بالطبع أيضاً هندسة المسطرة والفرجار، بل وزنه وهندسته هو، أي هو الشاعر الذي يشكل في ذاته مركز دائرة الإنسان، ومركز دائرة الكون.
من الضروري جداً أن تعرف عبد العزيز جاسم جيداً، وتعرف أعماقه، وحسه الإنساني والوجودي والجمالي لكي تستوعبه، وتتشرّبه، وتصل إلى ذرواته وأعاليه في الفكر والثقافة والفلسفة والشعر.
عبد العزيز جاسم، النعمة الثقافية في الإمارات، والاسم الإماراتي العلم الذي يترتب الإضاءة عليه والاقتراب من روحه الإنسانية الكونية هو أولاً ابن مكانه الأول، ابن الإمارات وروحها المثقفة التاريخية منذ إشارات ولغة هذا المكان منذ مئات الأعوام، وهو بذلك، يحفر في ثقافة المكان الإماراتي، ويبلور هذه الأحفورات المعرفية في مادّة بحثية لا تقبل أبداً لغة التسطيح والسرعة والارتجال. وتستطيع الاستناد إلى هذا الرأي في ضوء ما قاله في حوار صحفي مع عبده وازن في جريدة «الحياة» في العام 2017. يقول عبد العزيز«أظن أن كل واحد منّا يحمل في ذاكرته و«لا وعيه» وشوم مكانه الأول، التي من المستحيل أن يتخلص منها، وهذه العلامات هي عوالم كامنة أو مطمورة تحفّزنا أحياناً، وترسم لنا «نوستالجيا» بيضاء ومكتملة وعالية، سنظل نحملها في دواخلنا إلى الأبد».
من خلال هذا الفهم والوعي بثقافة وجماليات المكان، كتب عبد العزيز جاسم عن حيثيات البحر قبل أكثر من عشر سنوات، وقبل هذا الوقت لم يقطع عبد العزيز جاسم مع هذه الثقاقة المائية بكل ما فيها من تنوّع وخصب وحياة.
لماذا العودة الآن إلى «مجهول البحر ومعلومه» والتذكير به وبمؤلفه؟ ببساطة، للاستقصاء عن شعراء الماء في الإمارات، وعن روائيي وقصّاصي البحر، ورسّاميه، ومسرحييه، وموثّقيه، وباحثيه، وعشّاقه، وشهدائه، وهي استقصائية بحثية تراثية غائبة أو شبه غائبة عن الصورة الثقافية العامّة في الإمارات.

yabolouz@gmail.com

عن مصدر الخبر

المصدر

Editor

Ads Here