حروب المياه
نبيل سالم
من سوء الطالع العربي، أن معظم مياه الأنهار الكبيرة التي تصل مياهها إلى الدول العربية، تنبع من خارج الوطن العربي، في وقت يشهد فيه الوضع العربي ضعفاً وتفككاً، يفسح المجال أمام العديد من الدول التي تنبع منها الأنهار المارة في الدول العربية لاستخدام ورقة المياه في أي خلافات بينها وبين الدول العربية، فمن المعروف أن هناك عشرات الأنهار الكبيرة والصغيرة منتشرة في الدول العربية، بالإضافة إلى مئات الآلاف من الأودية الموسمية، إلا أن الأنهار الكبيرة ودائمة الجريان تتمثل في ثلاثة أنهار كبيرة هي نهر الفرات، ونهر دجلة، ونهر النيل.
ولو ألقينا نظرة على جغرافية الوطن العربي، نلاحظ أن نهر النيل ينبع من بحيرة فيكتوريا في إفريقيا، وهي المصدر الرئيسي للنهر، وتقع بشكلٍ أساسي في تنزانيا، وأوغندا، وتطلّ على كينيا.
ويُعتبر نهر النيل هو النهر الأطول في العالم بطولٍ يبلغ 6853 كم، حيث يتدفّق باتجاه الشمال عبر المناخ الاستوائي في شرق إفريقيا، وصولاً إلى البحر الأبيض المتوسط، ماراً بإحدى عشرة دولة هي: تنزانيا، وأوغندا، ورواندا، وبوروندي، وجمهورية الكونغو الديمقراطية، وكينيا، وإثيوبيا، وإريتريا، وجنوب السودان، والسودان، ومصر، قبل أن يصبّ في البحر الأبيض المتوسط.
أما نهرا الفرات ودجلة فينبعان كما هو معروف من داخل الأراضي التركية، ليجتازا الأراضي السورية والعراقية باتجاه الجنوب، وصولاً إلى شط العرب.
وعلى مدى التاريخ، شكلت هذه الأنهارمصادر حيوية للمياه، وعلى ضفافها نشأت العديد من الحضارات القديمة، لكنها باتت في العقود الأخيرة مصدراً للنزاعات بشكل يهدد بصراعات إقليمية خطيرة، نتجت عن محاولات بعض الدول استغلال المياه بشكل غير عادل، كما هو الحال بالنسبة إلى الخلافات المصرية الإثيوبية حول سد النهضة، أو الخلافات السورية والعراقية مع تركيا، حول مياه كل من نهري الفرات ودجلة، حيث تؤكد مصر أن سد النهضة الذي أقامته إثيوبيا على نهر النيل، سيفقدها الكثير من حصتها المائية اللازمة لاستمرار التنمية، لا سيما أنها تعاني ندرة مائية بحسب تصنيف البنك الدولي، وتعتمد بشكل أساسي على مياه نهر النيل في تلبية 95% من احتياجاتها المائية، كما يؤكد السودان أنه سيتأثر سلباً نتيجة إقامة السد أيضاً.
وكما هو الحال بالنسبة إلى مصر والسودان، والخلافات بينهما وبين إثيوبيا، تعمل تركيا على استغلال الأوضاع السياسية في كل من العراق وسوريا، للسطو على حصص تاريخية للبلدين، مرتبطة بالأمن المائي لبغداد ودمشق، المتمثل في نهري دجلة والفرات. حيث قامت أنقرة بقطع وحبس مياه نهر الفرات داخل أراضيها لتواجه منطقة شمال سوريا كارثة إنسانية حيال نقص المياه وانعدام توافرها في بعض المناطق، ولا سيما الزراعية التي تعتمد بشكل رئيسي على مياه النهر.
وتحاول تركيا استغلال الأوضاع السياسية بالعراق، لتقوم بتشغيل سد «إليسو» الذي أقامته أنقرة على نهر دجلة. ليواجه العراق مشكلات لا تقل عن المشكلات التي تواجهها سوريا، بسبب السياسة التركية.
ويؤكد المراقبون أن ملء السدود التركية على دجلة بالمياه سيحد من تدفقات المياه لنهر دجلة من 20 مليار متر مكعب سنوياً إلى نصف هذه الكمية، الأمر الذي يراه الكثيرون، تهديداً للأمن القومي العراقي.
وأمام هذا الواقع، يبدو أن مصادر المياه قد تشكل في المستقبل القريب مناخاً مناسباً لاندلاع صراعات مسلحة، وهو ما يؤكده الخبير الأمريكي توماس ناف الذي يقول: «إن المياه في الشرق الأوسط قضية اقتصادية وسياسية واجتماعية، وتمتد لأن تصبح مصدراً محتملاً للصراع، وهو ما يجعلها ذات بعد عسكري».
وأمام كل ما تقدم، يبدو أن هناك ضرورة ملحة لوجود سياسة عربية موحدة، وتنسيق يضمن تقوية المواقف العربية، تجاه أي نزاع قد ينشأ حول المياه، وتداعيات مثل هكذا نزاع على الأمن القومي العربي، بشكل عام، والدول المعنية خاصة، وإلا فإن القادم سيكون أسوأ بكثير مما نحن فيه الآن.
إن تركيا وإثيوبيا وإيران وكينيا وأوغندا وزائير تتحكم في حوالي 60% من منابع المياه في الوطن العربي.
nabil_salem.1954@yahoo.com