أرشيف

بين الحرية الإنسانية والقدر الإلهي

المصدر

الكتاب: بين الحرية الإنسانية والقدر الإلهي
المؤلف: ماريا دي سيليز
المترجم: محمود سلامة
الناشر: المركز القومي للترجمة، القاهرة، 2020.
موضوع الحرية الإنسانية في مقابل القدر الإلهي هو واحد من أعظم المباحث المثيرة للجدل في الفكر الإسلامي التقليدي. ويقدم هذا الكتاب دراسة نقدية متعلقة بالإسهامات العقلية المعروضة في هذا المسار، وذلك عن طريق ثلاثة من المفكرين البارزين الإسلاميين، خلال العصور الوسطى، هم: ابن سينا والغزالي وابن عربي، عن طريق التركيز على موضوع ذي أهمية مركزية لأي فلسفة ذات علاقة بالدين وبصفة خاصة الدين الإسلامي.
يحدثنا التاريخ الإسلامي منذ انبثاق الدعوة الإسلامية أن لب الدين الإسلامي يتمثل في العمل الإنساني الذي به يسعى الإنسان إلى ترقية فكره، ورسم السعادة في حاضره ومستقبله الذي لا ينتهي بانتهاء الحياة الدنيا، بل يمتد إلى ما وراء هذه الحياة من برزخ ثم بعث وحساب وثواب وعقاب.
اختارت المؤلفة ثلاثة من كبار المفكرين المسلمين، كل واحد منهم يمثل مجالاً من مجالات الفكر الإسلامي:
الأول هو الشيخ الرئيس ابن سينا الذي يمثل الفلسفة التقليدية المشائية الإسلامية. ويعد أرسطو هو النموذج البارز لهذا الاتجاه العقلي، على الرغم مما حدث من خلط على أيدي المترجمين الأوائل، بين ما كان منسوباً لأرسطو وما كان منسوباً لغيره من شراح، حيث خلطوا بين الاتجاه الأرسطي العقلي الخالص وما بين ما أضافه شراحه من أفكار إشراقية مشربة بروح الفلسفة الشرقية، وذلك على أيدى أفلاطون وتلاميذه.
والثاني الغزالي الذي كان في الأصل من المتكلمين الأشاعرة، إذ خاض غمار الفلسفة ثم ثار عليها ناقداً إياها، ثم ختم حياته بتبني الاتجاه الصوفي.
أما الثالث فهو ابن عربي الذي لم يقف عند اتجاه معين، بل خلط الفلسفة وعلم الكلام والتصوف الذي غلب عليه الفكر الفلسفي، واستقر به الأمر في النهاية إلى تبني اتجاه صوفي موغل في خليط من المذاهب الفلسفية: شرقية وغربية ودينية، ربما لم يكن لها أية علاقة بدين معين.
وكان اتجاه ابن سينا في مشكلة القضاء والقدر أميل إلى النظرية السببية المحكمة، كما هو شأن الاتجاه الأرسطي، وإن حاول أن يلبس اتجاهه ثوباً دينياً شفافاً.
أما الغزالي فقد كانت أشعريته هي السمة الغالبة عليه في معالجة هذه القضية، فعلى الرغم من إيمانه بالسببية فإن سببيته هذه كانت مقيدة بالتدخل الإلهي الذي بإمكانه إيقاف هذه السببية بتدخله في مجرى الأحداث. بحيث جعل السببية الإلهية هي الفاعلة الحقيقية، بمعنى أن السبب يحدث مع السبب لا بعده، على عكس ابن سينا الذي جعل المسبب يحدث بعد السبب.
أما ابن عربي فقد انتهى إلى أن الحرية الحقيقية للإنسان أن يستسلم للسببية الإلهية، حتى يصل إلى مقام العبودية.
وقد أجادت المؤلفة في هذا المضمار، ورجعت رجوعاً دقيقاً إلى هذه المصادر الأصلية لهؤلاء الثلاثة، بالإضافة إلى استعانتها بآراء مفكرين غربيين وغير غربيين. ويقدم هذا الكتاب إدراكاً كاملاً للتاريخ العقلي الإسلامي والثقافة الإسلامية.
المؤلفة ماريا دي سيليز، باحثة تركزت اهتماماتها بالدراسات الإسلامية التقليدية، لها العديد من الأعمال عن الفلسفة الإسلامية والاتجاهات الروحية والصوفية الإسلامية.
المترجم محمود محمد سلامة، أستاذ الفلسفة الإسلامية بكلية دار العلوم بجامعة المنيا، له عدد كبير من الأعمال: منها: (الرمز الفلسفي على ألسنة الحيوانات والطيور عن إخوان الصفاء وابن سينا والغزالي وفريد الدين العطار)، (ابن خلدون قراءة جديدة.. العقيدة الإسلامية من الصراع السياسي والجدل الكلامي)، (النفس الإنسانية عند ابن سينا وأسلافه)، (الولاية الصوفية)، (أضواء على الفكر الإسلامي الحديث).

عن مصدر الخبر

المصدر

Editor

Ads Here