بنسودا في الخرطوم
فيصل عابدون
تنطوي زيارة المدعية العامة في المحكمة الجنائية الدولية فاتو بنسودا للخرطوم على دلالات مهمة، فقد جاءت في توقيت ملائم تماماً لقادة المرحلة الانتقالية، فالزيارة التي أضفت زخماً إضافياً على مسار تحقيق العدالة، وعدم الإفلات من العقاب والتي وصفتها بنسودا بأنها تاريخية ستعيد موضعة العديد من القضايا، وسيكون لها ما بعدها في مسار الأحداث السياسية التي تأرجحت خلال الفترة الماضية على وقع الأزمات المستحكمة، ومعاناة الاقتصاد الناجمة عن استمرار إبقاء السودان في القائمة الأمريكية للدول الداعمة للإرهاب، وما يتتبع ذلك من عقوبات مشددة تبقي اقتصاد البلاد في حالة من الشلل الكامل، وتسد الطريق أمام إصلاح أنظمته المالية، وبالتالي تدفق الاستثمارات الغربية الحكومية والخاصة، وهي أمور باتت تهدد عملية التحول الديمقراطي برمتها.
ولا يخفى أن محادثات بنسودا مع قادة السودان الجدد، تتركز خصوصاً على مصير الرئيس المخلوع عمر البشير، وكبار المسؤولين من الذين أصدرت المحكمة الجنائية بحقهم مذكرات اعتقال على خلفية الجرائم والانتهاكات المروعة التي طالت سكان إقليم دارفور، وقد كان أمراً ذا مغزى عميق أن تتزامن الزيارة مع توقيع اتفاق وقف الحرب مع الجماعات المسلحة على مساري دارفور وجنوب النيل الأزرق .
ووجود المدعية العامة للجنائية في الخرطوم في هذا التوقيت، يعيد تركيز الأضواء على قضية تحقيق العدالة للضحايا، وهي القضية المركزية لإقرار السلام واستدامته في المنطقة.
وخلال محادثاتها مع قادة الحكومة المدنية والمجلس السيادي، لم تشر السيدة بنسودا بشكل صريح إلى عملية تسليم البشير ومساعديه إلى سلطة المحكمة، رغم أن ذلك الأمر محتمل، وبات الطريق أمامه سالكاً . لكنها تحدثت عن بحث التعاون بين السلطات السودانية والمحكمة الدولية، كما أصدرت تصريحات حول النظام القضائي السوداني، وتحدثت تقارير منفصلة عن إمكانية إقامة محكمة مختلطة بين السلطات السودانية والأمم المتحدة، لمحاكمة المتهمين بارتكاب جرائم حرب في دارفور .
وعلى الرغم من مرور عام كامل على إنشاء السلطة الانتقالية، فإن القضايا التي يحاكم البشير بموجبها، تتعلق في جانب منها بالفساد المالي وسوء استغلال السلطة، وفي الجانب الآخر بالانقلاب على النظام الدستوري، والاستيلاء على السلطة لصالح جماعة الإسلام السياسي .
أما الجرائم والانتهاكات التي ارتكبت خلال وجوده في السلطة، فقد تم توافق سكوتي على أن يترك أمرها للمحكمة الجنائية. ومع ذلك فلم يكن واضحاً الكيفية التي ستتصرف بها الحكومة حيال المتهمين .
وساد هذا الوضع المشوب بالغموض فترة من الزمن، حتى عادت القضية لدائرة الاهتمام عندما سلم علي كوشيب ، أحد أبرز المتهمين في جرائم الحرب بدارفور، نفسه إلى المحكمة الجنائية.
ومهما تكن النتائج التي ستسفر عنها زيارة المسؤولة الدولية، فلا شك أن وجودها في مسرح الأحداث، يعتبر حدثاً تاريخياً يكسر الجمود، وكافة الخيارات التي سيتم الاتفاق عليها، ستكون خيارات متساوية الأهمية وتحقق هدف العدالة لأهالي الضحايا والمكلومين.
Shiraz982003@yahoo.com