بكامل قواك النفسية
أنت نفسية ! جملة يستخدمها البعض لوصف الأشخاص ربما المختلفين عنهم، ولكن هل كلمة نفسية تعكس حالة مرضية أو هي مجرد كناية عن اضطراب نفسي؟
كثيرا ما أسأل نفسي كيف نعرّف الصحة النفسية، ماهو النموذج الذي نقرر أن ما اختلف عنه هو معتل نفسيا، وهل النموذج ينتمي للبيئة نفسها والمجتمع، وتحت الظروف نفسها؟ أو أننا نحكم على صحة الإنسان النفسية ضمن معايير معينة تصفها الكتب؟.
علوم الطب المتعلقة بالجسد ربما من السهل التعامل معها، ولكن تعريف الصحة النفسية أمر صعب. عرّفت منظمة الصحة العالمية الصحة النفسية، بأنها حالة من العافية، يستطيع فيها الفرد إدراك إمكانياته الخاصة، والتكيف مع حالات التوتر الحياتية، والعمل بشكل منتج ومثمر في المجتمع المحلي.
ضمن هذا التعريف نجد كثيرا من الناس صحتهم النفسية ليست على ما يرام، أو لديهم إعتلال نفسي. حياتنا اليومية تحمل الكثير من الضغوطات، وفي عهد كورونا أصبحت الصحة النفسية في خطر، حيث ازداد الأرق والقلق حينما أصبحت صحة الإنسان على المحك، ليس فقط صحته بل رزقه وتعليمه وأمنه، يمكننا القول إن العالم كله نفسية.
الحياة التي نمارسها اليوم من التباعد والانغلاق، وتقنين نشاطاتنا اليومية، وتغيير طريقة التعليم التي أصبحت جافة حيث لا أصدقاء ولا فسحة ولا لعب. أعرف أن السلامة تستدعي ذلك والخوف والقلق سيكبران إذا ما ذهب أطفالنا إلى المدارس خوفاً عليهم.
ما الذي يضمن لنا أننا كلنا مازلنا نحافظ على صحتنا النفسية وسط هذه الظروف، ما الذي يجعل أطفالنا يخرجون من هذه الأزمة بصحة نفسية جيدة، كيف نجيد التعايش مع الوضع دون المساس بصحتنا النفسية؟.
حسب إحصائية محلية فإن معدل الإصابة بالاضطرابات النفسية في السعودية 34% ، 23% منها كانت اضطرابات القلق، الحياة لا تخلو من القلق ولكن كيف يتعامل الفرد حينما يشعر أن صحته النفسية ليست على ما يرام؟.
غالباً يستمر في معاناته بصمت حيث أظهرت الإحصائية ذاتها أن 83% من الذين يعانون من اعتلالات نفسية لا يسعون للاستشارات النفسية أو الخدمات العلاجية، على الرغم من وجود مراكز الصحة النفسية في مناطق مختلفة من المملكة، والذين يفضلون الخصوصية وترهقهم مواعيد المراكز الحكومية، يتجهون لمراكز الصحة النفسية الخاصة، ويضطرون لدفع الكثير نظير نصف ساعة من الفضفضة، وينقطعون بعدها عن المتابعة، لأن ما يدفعونه يزيد من حجم قلقهم واكتئابهم.
الفئة الأكثر عرضة للاضطرابات النفسية هم الأطفال وطلاب المدارس، ولأن الدراسة عن بعد اختزلت الكثير من النشاطات، ولأننا لا نعرف يقيناً إن كان الطلاب سيعودون لمدارسهم خلال هذا العام، فلابد من وجود نشاطات لا منهجية يمارسها الطلاب بشكل جماعي أو فردي، توفر تنافسا للتغيير والتشجيع والإلهام وطرد الملل، حيث إن الحياة خلف الشاشات تختلف عن أرض الواقع.
إذا لم نحسن التعامل مع هذه الفترة من تاريخ البشرية، فستغير منظمة الصحة العالمية تعريف الصحة النفسية لما بعد كورونا (الصحة النفسية هي الخروج من عصر كورونا بكامل قواك النفسية)، ويكون الإنسان الذي استطاع التعايش مع عصر كورونا دون خسائر، نموذجاً للصحة النفسية.
@seniordoctor
Next Page >