النص الأنثوي الباحث عن هويته
النص الذي تكتبه المرأة تائه بين أنوثتها وسلطة القلم الذكوري الجاف، ولذا تجدها مقيدة لا تقدم جديداً أو إبداعاً للأسف إلا بشكل محدود جداً ونادر!.
حين تستسلم الأنثى لمشاعرها (فقط) تقدم شعراً استثنائياً، كما حدث مع الخنساء ونازك الملائكة، أو ما حدث مع الشاعرة نورة الحوشان في بيتها الشهير:
اللي يبينا عيت النفس تبغيه
واللي نبي عيا البخت لا يجيبه!
الرجل رسم ملامح النص وبناءه وفرض تقييمه وفق ما يريد، وللأسف المرأة سارت على ذلك النهج دون تمرد ملموس!.
الخنساء تحت وطأة موت أخيها صخر قالت شعراً ينسجم مع حالتها دون أن تضع التقييم في مخيلتها، فقدمت شعراً للخلود!.
نازك الملائكة هي حالة تمرد حقيقية اختارت أن تقذف بكل ما تعلمته عن الشعر وراء ظهرها فقط لتكتب شعراً ينسجم مع أنوثتها، فقدمت شعر التفعيلة -وأنا أميل للرأي القائل بأنها أول من كتب هذا الفن- وكانت رائعتها الكوليرا تجسيداً حقيقياً للأنثى في تركيبها الجسدي والنفسي والفكري.
نورة الحوشان أرادت أن تقول ما بداخلها دون النظر لرأي مستمع أو ناقد، فقالت ما يجب أن يقال في حالتها التي كانت عليها!
اليوم قلة من الشاعرات من تحاول (قليلاً) أن تقذف بالقلم الذكوري الجاف جانباً، وتلتقط قلم الروج وتكتب به أنوثتها!
في فترة مغادرة الأنثى لسن الطفولة وبدء حياة الأنوثة، تطبع الفتاة قبلة على المرآة ترسم بقلم الروج ملامح شفتيها وكأنها تقول هذا ما يمثلني!.
لكنها ما تلبث أن تقع تحت سلطة النسق الذكوري فتلتقط قلمه الذكوري الجاف لتسجل به مشاعرها، وهنا تفقد أهم ما يميزها ويصنع شخصيتها، فتتوه بين المبدعين من الرجال، وتبقى مجرد شاعرة تكتب كلاماً موزوناً مقفى!
يزعجني النص الذي تكتبه الأنثى ببراعة متناهية (لكنه يفتقد حسها الأنثوي) أكثر من ذلك النص الذي يفتقد مقومات (كمال) النص، لكنه ينتصر لأنوثتها وما يمثلها وما يعبر عنها وما يشبهها.
المرأة تملك الخيال والصورة والمفردة والتفاصيل التي تخصها، لكنها تختار أن تستعمل مفردة (الشاعر) وصوره وإهماله التفاصيل لصالح الصورة الشعرية فقط؛ لتثبت بأنها قادرة على مجاراته.
ليت المرأة تعوف قيمة (هويتها) فتنتصر لها عبر شعرها، كما فعلت عبر فن السرد في القصة والرواية، فقدمت فناً عظيماً يمثلها ويشبهها ويخلد هويتها.