الموسيقى تخاطب الروح
د. نورة صابر المزروعي
غالباً ما تستمد المقطوعات الموسيقية من حياة المؤلف، أو ترتبط بالظروف السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية المحيطة به، وهي إما أن تكون متخيلة بالكامل، وإما مستلهمة من الواقع، وتحمل مواضيع خاصة، أوعامة.
ويستوحي المؤلف فكرته الموسيقية نتيجة لمعطيات بيئية، فمثلاً السيمفونية السادسة بعنوان «النصر»، هي أحد مؤلفات بتهوفن التي تعكس الوضع السياسي العام، وموقف المؤلف من حروب نابليون بونابرت. أما «ذكريات» وهي أحد مؤلفات الموسيقار العالمي فريدريك شوبان، فمهداة إلى أخته بمناسبة عيد ميلادها، ولكن وقع هذه المؤلفات على آذان المستمع يختلف من شخص إلى آخر.
ويرى كبار الموسيقيين أمثال ريتشارد فاجنر (1813-1883) أن «التعبير الموسيقى… غامض مبهم يسمح بالعديد من التفسيرات والتأويلات»، فالمستمع يتأثر بالمعزوفة الموسيقية من دون معرفة الظروف التي أدت إلى تأليفها. ولكل فرد طريقته الخاصة في فهم الموسيقى.
وتنبع المعاني المتخيلة في ذهن المستمع للموسيقى من التجربة الداخلية للفرد ذاته، فكل واحد منا يفهمها كما يشاء. وهذه المعاني لا علاقة لها من قريب، أو من بعيد، بالموضوع الأصلي للموسيقى. فحينما ترتبط مشاعر المستمع بمعزوفة ما يقوم الذهن بتخيل حادثة معينة يسقط من خلالها أحاسيسه عليها.
وتمنح الأحاسيس المستمع شعوراً بالفرح، أو الحزن، أو الألم، على حسب حالته النفسية، وأغلبها تكون مشاعر مفتعلة، وخيالات وأفكار لا علاقة لها بفكرة المؤلف، ويرى كبار الفلاسفة أمثال أفلاطون، وأرسطو، أن ارتباط المستمع بالموسيقى يرجع إلى مخاطبة الألحان الجانب الباطني والروحي في النفس البشرية.
وتتسع المعزفات الموسيقية لعدد من التأويلات، والتخمينات، خاصة إن لم تكن مصحوبة بكلمات. ولكن حينما تكون مصحوبه بقصيدة، تقوم الكلمات بإيضاح الصورة المبهمة التي تقدمها، حيث تعمل على لفت انتباه المتلقي إلى موضوع ما، فمن خلالها الكلمات يستطيع العقل تحديد المعنى التجريدي للموسيقى بسهولة، ويسر.
وعندما يستمع أحدنا إلى مقدمة موسيقى أغنية «ست الحبايب» لا يمكن له الشرود بعيداً عن الموضوع، فالعقل يجبره على تخيل مراحل طفولته، وعناية أمه به، وعلاقته معها. فالأحاسيس الصادقة للشاعر حسين السيد الذي تذكر يوم عيد الأم على عتبة باب شقة أمه، أجبرته على ألا يطرق بابها من دون تقديم هدية لها.
almazrouei2013@gmail.com