المال: خادمٌ جيّد.. أم سيّدٌ مُتعب؟
في زحمة الحياة وتسارع خطواتها، كثيرًا ما يُساق الإنسان خلف فكرة واحدة:
”أريد أن أمتلك المال”.
لكن، هل نحن حقًّا نبحث عن المال؟
أم أن هناك ما هو أعمق، وما هو أصدق، وأكثر اتصالًا بذواتنا؟
بعد تأمّل طويل في قصص الناس، في قراراتهم، وفي تقلبات مشاعرهم بين القلق والفرح، وبين الاندفاع والتيه، وصلت إلى قناعة راسخة:
المال لا يصلح أن يكون هدفًا بحدّ ذاته.
المال مهم، نعم، لكنه لا يُثمر إلا إذا وُضع في مكانه الطبيعي: وسيلة لا غاية.
الخلل يبدأ حين يختزل الإنسان طموحه في رقم، ويسعى إليه مجردًا عن المعنى، عن القيم، وعن الرسالة التي جاء من أجلها.
حينها، يصبح المال عبئًا لا دعمًا، وقلقًا لا طمأنينة، ومطاردة لا تنتهي، بدلًا من أن يكون طريقًا لتحقيق الأهداف الحقيقية.
وليس هذا فحسب، فمن جعل المال غايته المطلقة، وركض خلفه فقط، وجد نفسه مع الوقت محاطًا بآثار لا يرضاها، من ذلك:
• فقرٌ حقيقي: لأنه بحث في المكان الخطأ، فظل يركض خلف المال بوسائل لا تُنتجه ولا تفتح له أبوابه.
• فقرٌ معنوي: لا يشعر بوجود المال في حياته، حتى لو امتلكه، لأنه لا يعرف قيمة الاكتفاء، ولا يذوق طعم الرضا.
• بُخلٌ مَرَضيّ: لأن ما تم جمعه بالتعب، يُخشى ضياعه أكثر من الاستمتاع به.
• ظلمٌ للآخرين: حين تُقاس العلاقات والمعاملات فقط بمنطق الربح والخسارة.
• توترٌ مزمن: لأن المال لا يَعدُ بالأمان، بل كثيرًا ما يُضاعف من الخوف عليه.
وهذا المسار يقود صاحبه ليكون عبدًا للمال، لا مستخدمًا له.
ومع ذلك، لا نقول إن السعي لكسب المال أمر مرفوض.
على العكس، فإن طلب الرزق، والعمل، والتخطيط المالي الذكي، واكتساب المهارات، كلها ضرورية لتحقيق الاستقرار والإنجاز.
لكن شريطة أن يكون المال في خدمتك، لا أن تصبح أنت خادمًا له.
حين يمتلك الإنسان هدفًا عميقًا، ورسالة واضحة، وقيمًا عليا يعيش من أجلها، فإنه يسعى إلى الأدوات التي تخدم هذا المعنى، ومن أهمها المال.
حينها، يصبح المال وسيلة نبيلة لتحقيق:
• الحرية
• الكرامة
• الطمأنينة
• التأثير
• الرسالة
• الإنجاز
وهذه المعاني لا تُشترى، بل تُبنى، وغالبًا ما تتطلب وعيًا عميقًا ودراية بإدارة المال واستثماره في الطريق الصحيح.
فليكن المال وسيلة نُحسن استخدامها، لا غاية نُضيّع عمرنا في ملاحقتها.
ولتبقَ غايتنا أعمق، وأصدق، وأبقى.
المال خادمٌ جيّد… لكنه سيّدٌ مُتعب.
فاختر له مكانه في حياتك، قبل أن يختار لك مكانك فيها.
طارق القرني