الكاتبة سالمة الموشي: لن أسامح هؤلاء !
تعد تجربة الكاتبة الروائية سالمة الموشي من التجارب الناضجة. أنجزت رواية «يهوديّة مُخلّصة»، و«الحريم الثقافي بين الثابت والمُتحوّل»، و«أيها النقصان من رآك نساء تحت العرش»، وكيف لا تنجز وهي ابنة الحقل، والمرعى، وحفيدة الجبل، وربيبة السهل، ولها مع رمضان حكايات، أطلعتنا في هذه المسامرة على جانب منها..
والدي هو من اختار اسمي
• من كانت قابلتك أثناء الولادة، ومن الذي اختار لك اسمك ؟
•• على غير ما جرت العادة، القابلة هنا كان جدي لأمي، إذ وُلدت في قرية تمتد مثل الغيم على جبال السراة ووالدي هو من اختار اسمي تيمناً بالسلامة.
• هل احتفلت أسرتك بقدومك، وما نوع الاحتفال ؟
•• في الغالب يحتفل القرويون بالمولود الذكر أكثر مما يُحتفل بالأنثى، وقيل لي إن عمتي أسرعت إلى والدي وقالت له: «جاتك راعية غنم»، وهي صفة تطلق على الأنثى التي ينتظرها هذا الدور بالقرية. واحتفلت عائلتي وكل القرية كما احتفل بي الكون أينما رحلت بعد ذلك.
• تفضلين العيش في قرية أو مدينة ؟
•• أمضيت حياتي في صخب المدن، وأستطيع القول إنني اليوم أتوق للعودة للقرية والعيش فيها، نعم أفضل العيش في القرية على المدينة. أزرع الريحان والحبق وأتجول في الأودية والشعاب وأتأمل زرقة السماء، فهي حياة فيها الكثير من الهناءة بالنسبة لي.
كيف أنسى زينب ؟
• مَن معلمتك الأولى ؟
•• سيدة مصرية اسمها «زينب» لا يمكن نسيانها، كانت تكافئني ببعض الهدايا الصغيرة لتفوقي في كتابة الحروف. كانت تعلمنا بأمانة وإخلاص، تلك ممن يصدق عليها «كاد المعلم أن يكون رسولاً».
• أي حكاية شعبية شكلت ذائقتك ؟
•• حكايات عدة، شكلت ذاكرتي أكثر مما شكلت ذائقتي، لكن أكثرها تأثيراً كان حكاية «جبل حرفة» الذي يقع شمال النماص، إذ كنا نتداول عنه قصصاً، منها أن الصاعد لِقِمّته يصاب بالجنون، وأنه يخطف الفتيات اللواتي يمررن بالقرب منه، الميثولوجيا دفعتني للتعمق في الماورائيات والكونيات فيما بعد، لهذا قرأت الكثير عن غير المرئيات وعلاقتها بكل ما يحدث للبشر وتشكلت لدي ذائقة قرائية من نوع خاص، إضافة لقراءاتي الفكرية.
• هل الحارة أثرى وأدفأ من الحي ؟
•• نعم الحارة أثرى وأدفأ بكثير من الحي، فالحارة تشبه بيت العائلة الكبير، الكل يعرف ساكنيه، يتعايشون في نمط متشابه متقاربين محبين، منظومة عائلة كبيرة في بيوت متفرقة وقلوب متقاربة، بخلاف الحي الذي يجمع بين الناس مكانياً فقط.
• ما الذي تحتفظ به ذاكرتك من طفولة الأطراف وحارة المركز ؟
•• لم أحظَ بطفولة في الأطراف التي هي القرى والضواحي بالنسبة للمدينة المركز حيث كانت الحارة مستقراً وهي نمط من حياة الأطراف كالقرى وما زلت أتذكرها تماماً مثل لوحة فنية لبول سيزان، حيث سنابل القمح والمراعي الممتدة، الأبقار والأغنام، وجمال جدتي وهي ترتدي قبعة من القش وملابس ذات ألوان بوهيمية فاقعة، أما في الحارة فهناك الكثير من الذكريات أعمقها احتفالات ليالي الحناء في البيوت القديمة، حيث رائحة الحناء والأهازيج ورقص الفتيات ونحن الصغار نراقب بكل بهجة لا تنسى.
• على ماذا استيقظ وعيك المبكر من الأحداث والمواقف والناس ؟
•• استيقظ وعيي المبكر على الطبيعة الأرض، السماء، الجبال، والمطر، كانت مثار تساؤلات وجودية كبرى بالنسبة لي، أما من المواقف الراسخة أتذكر أن معلمة اللغة العربية في المرحلة المتوسطة استبعدتني من الترشح للمشاركة في كتابة قصة قصيرة في النشاط المدرسي لأسباب شخصية ورفضت مشاركتي، وقالت مشاركتك فاشلة ورمت بأوراقي على الطاولة، ولكن بعد وقت فازت مشاركتي بالمركز الأول وكذلك نشرتها في إحدى الصحف، هذا الموقف جعلني أقرأ مئات الكتب وأكتب في كل الصحف ولدي مؤلفات ودراسات.
اقرئي النص يا سالمة
• كيف كان أول يوم صيام في حياتك، وهل كان موسم صيف ؟
•• أتذكر أنه كان يوماً طويلاً وكأنه الدهر، وكان تحدياً كبيراً أنا من أقدمت عليه دون ضغط من والدي، كان موسم الربيع وكان الصيام مثار تساؤلات كثيرة في عقلي في تلك السن المبكرة حول معنى أن نمتنع عن الطعام والشراب.
• ما موقف والدتك ووالدك من صومك المبكر، وهل أذنا لك أو أحدهما بقطع الصيام بحكم الإرهاق ؟
•• والدي (حفظه الله) كان يقول لا تصومين، الصغار غير مكلفين بالصيام، ووالدتي كانت تقول إن الجوع سيهزمني، ولكني انتصرت في ذلك اليوم.
• على ماذا كانت تتسحر الأسرة في ذلك الوقت ؟
•• كانت والدتي (حفظها الله) تعد لنا خبز البر أو الدخن مع اللبن والشوربة والتمر والماء فقط. وكان من أعذب الطعام وأطيبه.
• أي فرق أو ميزة كنت تشعرين أنك تتميزين بها عن قريناتك ؟
•• تميزت عن قريناتي بأني كنت البنت الكبرى بين أخواتي البنات، وكنت مسؤولة عن حياة أكبر من سني، وفي المدرسة كنت «عرابة» في الصف، أنا من يقرأ النص والطالبات يستمعن لي ليقمن بالمثل، كانت المعلمة تكلفني بالقراءة فتقول «سالمة اقرئي النص»، فأشعر بامتنان لتشريفها لي.
• مَن تتذكرين من زميلات الطفولة ؟
•• أتذكر البعض منهن، والبعض الآخر غبن عن الذاكرة، وأتحفظ على ذكر أسمائهن.
• لماذا يسكننا حنين لأيامنا الأولى في الحياة ؟
•• إنه الحنين للماضي وهي نوستالجيا بشرية بحتة، وربما حتمية في حياتنا جميعاً وهي حالة جيدة لاستعادة الماضي، فالماضي لا يمضي ويمكن أن نستحضره بإيجابية، فسعادة الإنسان الحالية تعتمد على قدرته على العيش مع ماضيه وفهمه بشكل جيد وسوي. فالحنين للأيام الأولى هو حنين لحالة وليس لزمن.
• ما أبرز ما يسكن الذاكرة عن رمضان ؟
•• لرمضان رائحة وصوت مختلف في ذاكرتي، أصوات المساجد، ورائحة طعام الإفطار، والتوت الأحمر الذي تعده والدتي، ولمة العائلة على سفرة الإفطار.• كيف تقضين يومك الرمضاني ؟ •• في السنوات البعيدة كنت أقضي يومي في إعداد الإفطار، اليوم أقضي يومي في العمل والمسافة بين البيت والمنزل ووقت قصير نهاية اليوم لإعداد وجبة إفطار خفيفة وقهوة.
• لمن تقولين، سامحك الله في رمضان ؟
•• البعض فقط يعرفون أنفسهم أستطيع أن أقول لهم «سامحك الله»، ولكن هناك أشخاص لا يمكن مسامحتهم.
• ما المواقف العالقة بالذهن وعصية على النسيان ؟
•• مواقف الظلم غير المبرر ومواقف من خذلوني بقوة، كل مواقفهم عصية على النسيان.
سعار في حشو الوقت
• ما برنامجك الرمضاني من الفجر إلى السحور ؟
•• أستيقظ فجراً، حيث أنام مبكراً، أقرأ وأتصفح بعض المواقع ثم أذهب للعمل ومن ثم العودة للمنزل والاستمتاع بليل رمضان المميز.
• أي الطبخات أو الأكلات أو الأطباق تحرصين على أن تكون على مائدتك الرمضانية ؟
•• أطباق الطعام النباتي، الشوربة، والطبق الرئيسي الفول.
• هل تتابعين برامج إذاعية أو تلفزيونية، وما هي ؟
•• لا أتابع الإذاعة ولكن أستمع للبودكاست، أنتقيه بعناية مثل «بودكاست امش مع ثمانية»، ولا أحب مشاهدة البرامج التلفزيونية في رمضان باستثناء مسلسل فقط يتم اختياره، حيث تعاني القنوات العربية من سعار حقيقي في حشو الوقت ببرامج متشابهة.
• ما حكمتك الأثيرة، وبيت الشعر، واللون الذي تعشقين ؟
•• عامل الناس بأخلاقك لا بأخلاقهم، «وهل من الحكمة أن أعض كلباً عضني».
وبيت الشعر «في سحابه..على متن التمني.. شفت عمري.. خيال في سحابه» للأمير خالد الفيصل. ولوني المفضل هو الأخضر والأبيض.
• هل لك ميول رياضية، وما فريقك المفضل ؟
•• نعم هلالية بامتياز.
• من هو مطربك أو مطربتك، وما أغنيتك المفضلة ؟
•• لا أستمع للأغاني بشكل ما، لكن أحب أسمع الموسيقى الكلاسيكية والموسيقى الروحية فقط، وهذا لا يمنع محبتي لأغاني فريد الأطرش وعبدالحليم حافظ.
الإغراق في الشللية
• لماذا انقطعت عن المشهد الثقافي لأعوام ؟
•• المشهد الثقافي كان رائعاً وفي مجده ولم أستطع مجاراة إغراقه في الشللية، وانقسامه المريع بين الليبرالية والتقليدية، لهذا انعزلت لأنجو بقيمي التي أؤمن بها ولأنضج روحياً وفكرياً على طريقتي وبشكل مختلف بعيداً عن التنميط، وها أنا اليوم عدت بعد أن اتسعت مساحة الحوار والحياة معاً في عهد ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، عراب المرحلة الذهبية التي نعيشها.
• هل زهدت في الكتابة أم زهدت فيك ؟ •• أنا من زهد فيها، وما زالت تطرق بابي مع كل إشراقة شمس.
• من تدعين للفطور معك ؟
•• المقربون من العائلة، إضافة لعائلتي الصغيرة والجميلة.
• هل يتراجع عدد الأصدقاء والصديقات بتقدم العمر ؟ •• لمْ يكنْ لي أصدقاءٌ كثر، ولكن نعم يتراجع ليس لتقدم العمر بل لأنهم لم يكونوا أصدقاء حقيقيين بل كانوا عابري مرحلة وربما صدفة جغرافية فقط هي من جمعتنا، حي، قبيلة، مدرسة، واعتقدنا أنهم أصدقاء.. الصديق الحقيقي لا يغيره الزمن ولا تغيره تقلبات الحياة.
• أي زمن أو عصر كنت تتمنين لو أنك عشت فيه ؟
•• عصر ملوك الفراعنة النترو العصر الذي عاش فيه تحوت وكان يسمى إله الحكمة عند قدماء المصريين.