الفيلم الوثائقي مرآة تعكس حقيقة الشعوب
أكد عدد من المخرجين والمنتجين أن الأفلام الوثائقية تلعب دورا مهما في تعزيز إدراك واستيعاب القضايا الاجتماعية والاقتصادية والثقافية، كما أنها تشكل حافزا قويا من أجل السعي إلى التغيير نحو الأفضل، ولكن لا يزال الجدل قائما حولها، خصوصا أنها تعاني مشكلات وعقبات أهمها التهميش لحساب الفيلم الروائي، وعدم اعتياد المشاهد العربي على هذه النوعية من الأفلام، كما أنها لا تعرض في قاعات السينما على غرار الأفلام الروائية، وبالتالي لا تحظى باهتمام المنتجين والممولين.
صناعة الوثائقي
قال مخرج ومنتج الأفلام الوثائقية عبدالرحمن صندقجي: عالم الوثائقيات مليء بالترقب والبحث والتحري والرسائل المهمة بالنسبة لصناعه، وهو عالم يمتلئ، خلال عملية إنتاجه، بالقرارات الحاسمة التي قد تؤثر في سير القصة في أي لحظة، فهو يختلف أيضا عن الأفلام الروائية في أن له سيناريوهين، الأول ما قبل الإنتاج والآخر ما بعده، وقد يختلف الأخير اختلافا جذريا عن الأول في بعض الأحيان، وبالتالي فإن صناعة الوثائقيات عبارة عن مغامرة، قد لا تدري أين سيقودك مسار القصة خلال تقصيها.
وأضاف: إن تحدثنا عن أماكن العرض والتوزيع للأفلام الروائية والوثائقيات، فإننا سنجد تباينا واضحا كذلك، فالهدف الأساسي من صناعة الروائيات هو أن يكون عرضها الأول في صالات السينما لفترة معينة، والمشاركة في المهرجانات السينمائية لحصد الجوائز التي قد ترفع من شهرة الفيلم، ومن ثم بيعه على هيئة DVD أو بتوزيعه في المحطات التلفزيونية والمواقع الإلكترونية، أما الوثائقيات فتتشابه أساليب بيعها وتوزيعها وعرضها مع الروائيات، لكنها تختلف غالبا في عدم استهداف عرضها الأول في صالات السينما، ولكنها قد تعرض عبر عروض سينمائية جماهيرية محدودة، لكن بعض الوثائقيات كانت تتمتع بمميزات تشويقية عالية جعلتها مؤهلة لأن تعرض في صالات السينما التجارية، بل ذاع صيتها وربحت ملايين الدولارات من شباك التذاكر، كفيلمي «فهرنهايت ٩/١١» و«سيكو» للمخرج مايكل مور، و«التسلق المنفرد»، وآلاف الأفلام غيرها.
أسباب تغيبها
وحول غياب إنتاج الأفلام الوثائقية يقول صندقجي: منذ بداية انتشار دور السينما في الوطن العربي لم يحظ الفيلم الوثائقي بالمكانة التي يستحقها ضمن العروض السينمائية المثيرة، فالفيلم الوثائقي له شريحته الصغيرة جدا، والتي غالبا ما تعودت على مشاهدته في التلفاز والعروض الجماهيرية الصغيرة، بالإضافة إلى أن الفرد العربي تعود على دفع قيمة التذكرة السينمائية للفيلم الذي سيعطيه جرعة ترفيهية وإمتاعية عالية، وهذا ما يفتقر له الفيلم الوثائقي، وإن نظرنا إلى القنوات التليفزيونية ومواقع الأفلام، نجدها مهتمة جدا بإنتاج الأفلام والسلسلة الوثائقية، لعلمهم جيدا أن الجمهور يفضل مشاهدتها في هذه الأماكن وليس في دور السينما.
دعم كبير
وأكد أن الفيلم الوثائقي يحتاج إلى الكثير من الدعم، وفتح المجال لتلك الصناعة للارتقاء بالجانب الإبداعي الترفيهي والجذاب فيها، لتتمكن من كسب اهتمام الجمهور، فصناع الأفلام يواجهون بعض العراقيل من ناحية الدعم المادي السخي والدعم المعنوي الذي ينهض بإبداعهم، فكثير من الداعمين ينظرون إلى صناعة الأفلام الوثائقية على أنها صناعة سهلة جدا ولا تتطلب هذه المصاريف المادية الكثيرة، رغم أن الوضع الواقعي هو العكس، فصناعة الوثائقيات تتطلب جهودا كبيرة، وفيها نسبة مغامرة ومخاطرة عالية جدا تتخطى في معظمها تلك الجهود والمخاطرة التي توضع في الروائيات، لذلك لابد من الداعمين أن ينظروا لهذا المجال باهتمام وتقدير أكبر.
القوة الناعمة
فيما يرى المخرج عبدالعزيز الفريح أن الأفلام الوثائقية لديها القدرة على التثقيف، وتعد مصدرا عميقا وغنيا بالمعلومات، وهي منصة مثالية لخلق الحوارات وطرح التساؤلات، والأهم من كل ذلك أنها أداة مهمة من أدوات القوة الناعمة التي تستخدمها الدول في إبراز ما لديها من إنجازات، وهناك تجارب عالمية رائدة في صناعة الفيلم الوثائقي الذي أحدث أثرا كبيرا، ويمكن أن نستشهد، على سبيل المثال، بتجارب المخرج مايكل مور، فبعض أفلامه حققت تأثيرا عالميا كبيرا.
مرآة للشعوب
ويشير الفريح إلى جوانب إستراتيجية للتعامل مع الأفلام الوثائقية، قائلا: أولا: الأفلام الوثائقية مرآة للشعوب، وبالتالي يجب أن يكون الفيلم الوثائقي السعودي حاضرا في أهم المهرجانات العالمية، وثانيا: لابد من تطوير صناعة الأفلام السعودية حتى تستقطبها الشركات والقنوات العالمية، وثالثا: لا بديل عن دعم الوزارة للمخرجين الشباب حتى يتمكنوا من إنتاج أفلام وثائقية تستطيع أن تسوق للمملكة دوليا، فالمملكة لديها كنوز ثقافية واجتماعية وجغرافية واقتصادية وتاريخية، ولكن هذه الكنوز لم تطرق أبوابها حتى الآن، وأتصور أنه يجب تقديم أفلام عن هذه الكنوز بمستوى احترافي عالمي، وتترجم للغات عديدة لكي تصل للعالم.
الحقيقة التاريخية
ويلفت المتخصص في التاريخ الحديث والمعاصر د. علي قطب إلى أخطاء الكتاب في الأفلام الوثائقية، قائلا: لعل أشهر هذه الأخطاء وقوعهم في فخ التحيزات الأيديولوجية، وافتقاد بعضهم الموضوعية، بل ربما يصل الأمر إلى إضفاء هالة من الأخبار التي تشبه الأساطير حول الحدث التاريخي أو الشخصية التاريخية المحورية في الفيلم الوثائقي، فمن الضروري أن يتنبه كاتب الفيلم الوثائقي إلى خطورة التحيز، وأن يحاول قدر الإمكان لجم مشاعره ورغباته التي تدفعه إلى الانحياز إلى فئة دون أخرى، أو إلى حدث دون آخر، وعليه أن يبذل جهده لتوخي الحقيقة التاريخية دون سواها حتى وإن خالفت رغباته.