الساخر الأكبر
د. حسن مدن
هل يمكن أن يكون في أيامنا هذه ساخر أكبر من فيروس «كورونا»؟ لا نحسب ذلك، وليت سخريته تقف عند حدود المشهد الكاريكاتوري الذي يمكن لنا تخيله لوجه ضاحك ملء شقيه، مادّاً لسانه إلى خارج فمه، فسخرية «كورونا» من النوع الموجع، وفي أحيان كثيرة من النوع المميت.
قبل نحو شهرين كتبنا هنا مقالاً قلنا فيه إن «كورونا يسخر من الساخرين»، وليس المقصودون فقط بسطاء الناس قليلي الحيلة في مواجهة الوباء بسبب ظروف الفقر وتردي الخدمات الصحية، وإنما تحديداً كبار القوم الساخرين، وأشرنا يومها إلى رئيس وزراء بريطانيا الذي أظهر في بداية تفشي الوباء في بلاده استخفافاً به، وروّج يومها لما وصف ب«مناعة القطيع»، فكان أن أتاه هو شخصياً سهم «كورونا»، ليدخله غرفة العناية القصوى، ويلبسه جهاز التنفس.
كما أشرنا أيضاً إلى رئيس البرازيل جير بولسونارو، الذي كان يطيب له أن يحضر مهرجانات حاشدة لمناصريه، الداعين لرفض أي إجراءات وقائية من الفيروس، فانتقم منه الفيروس، وأقعده عن الحراك لفترة، ولم يكن بوسعه إخفاء مقدار حرجه يومها وهو يقول لمواطنيه: «الجميع كانوا يعلمون أن الفيروس سيصل إلى جزء كبير من السكان عاجلاً أم آجلاً، وقد أصابني».
لكنّ هناك ساخراً بزّ كل الزعماء الساخرين من «كورونا» هو الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الذي برع في تصوير «كورونا» على أنه مجرد فزاعة من صنع الديمقراطيين، ليكسبوا السباق الانتخابي الوشيك على الرئاسة، فرّد «كورونا» عليه السخرية بما هو أشدّ منها، كعادته حين يرد على الساخرين منه، فأصابه في أكثر اللحظات حرجاً بالنسبة له، حيث بقي أقل من شهر على موعد الانتخابات، ما يعني تعطيل، أو الحدّ الواسع، من فعاليات حملته الانتخابية.
ورغم إصابته بالوباء التي قال أطباء إن أعراضها عليه كانت حرجة في البداية، ظلّ ترامب مكابراً. لم يطق البقاء طويلاً في المستشفى الذي أخذ إليه، كي لا يظهر بمظهر العاجز، وحمل الأطباء على قبول عودته للبيت الأبيض، رغم حاجته لاستمرار العلاج، وقبل ذلك خرج في جولة داخل سيارة مغلقة وحوله، في السيارة نفسها، فريق حمايته، مخالفاً أبسط قواعد الحجر الصحي، ليقول لمناصريه: «أنا بخير».
وفي حين تعيّن عليه بعد إصابته حثّ مواطنيه على المزيد من الحذر، فالأمر ليس أكذوبة أو فزاعة، كتب مغرداً: «لا يخيفكم كورونا»، وهو خير العالمين أن من يحرضهم على اللامبالاة لن ينعموا، في حال إصابتهم بالفيروس، بأقل القليل من العناية الطبية «الماسية» التي حظي بها هو.
madanbahrain@gmail.com