اقتصاد

الرياض قبلة رئيسية للاستثمارات الصينية

المصدر

تتسم المرحلة الحالية من تاريخ المملكة بمساعي تطوير الاقتصاد وتنويع مصادر الدخل وعدم الاعتماد على النفط مصدراً وحيداً، لتفادي التقلبات الحادة التي تشهدها الأسواق، إضافة إلى التوجه العالمي نحو زيادة الاعتماد على مصادر الطاقة النظيفة والمتجدّدة وتصفير الانبعاثات الكربونية ضمن الجهود المبذولة للتصدي لمشكلة الاحتباس الحراري وحماية البيئة.

في ظل هذه المعطيات جاءت رؤية المملكة 2030 بمثابة رؤية اقتصادية متكاملة وخارطة طريق واضحة لكيفية تنفيذ هذه التوجّهات وتعزيز جوانب الاقتصاد غير النفطي عبر تطوير العديد من القطاعات، مثل الصناعة والسياحة وتوطين التقنية، ورفع كفاءة الكوادر البشرية وتمكين المواهب.

ومع التقدم التقني والصناعي اللافت الذي تشهده الصين، كان من الطبيعي أن تشهد العلاقات الاقتصادية والتجارية السعودية – الصينية المزيد من التطور، لا سيما مع حرص البلدين على الارتقاء بالشراكة الاقتصادية والعلاقات الثنائية التي تجمعهما وزيادة حجم التبادل التجاري.

لذلك جاءت زيارة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود إلى جمهورية الصين الشعبية في عام 2017، والزيارتان التاريخيتان لولي العهد رئيس مجلس الوزراء الأمير محمد بن سلمان إلى العاصمة بكين في عامي 2016 و 2019 لتمثل فجراً جديداً في تاريخ علاقات البلدين، إذ أوضح سموه حينها أن مبادرة الحزام والطريق وتوجهات الصين الاستراتيجية تتلاقى بشكل كبير جداً مع التوجّهات العربية لتعزيز العلاقات مع بكين، كما تتوافق مع رؤية السعودية 2030، مؤكداً أهمية تحقيق كل المكاسب ومجابهة التحديات كافة التي تواجه البلدين.

بعد تلك الزيارات تسارعت وتيرة التعاون بين البلدين، ولتأكيد ذلك تكفي الإشارة إلى أن المملكة أصبحت الشريك التجاري الأول بين الدول العربية مع جمهورية الصين الشعبية، إذ تشكل حوالى 27% من إجمالي حجم التبادل التجاري للدول العربية، ووصل إلى حوالى 400 مليار ريال خلال العام الماضي بنسبة نمو زادت على 32% عن العام 2021. كم تم قبل عامين توقيع اتفاقيتين استثماريتين بقيمة 7 مليارات ريال بين الهيئة الملكية للجبيل وينبع وشركة زينغوانغ الصناعية.

كذلك كانت زيارة الرئيس الصيني شي جين بينغ إلى المملكة في شهر ديسمبر الماضي خطوة استراتيجية في هذه الجهود، إذ عقدت قمة سعودية صينية أعقبها توقيع اتفاقياتٍ استثماريةٍ بقيمة 50 مليار دولار، إضافة إلى عقد أول قمة عربية صينية، وقمة أخرى خليجية صينية، وكل هذه الجهود تثبت بوضوح قناعة الرياض بأن العلاقات الراهنة يجب أن تقدم الجوانب الاقتصادية على السياسية، لا سيما مع اتجاه العالم حالياً نحو تكوين شراكات جديدة.

وتعزيزاً لهذه القناعات يأتي انعقاد الدورة العاشرة لمؤتمر الأعمال العربي الصيني التي تستضيفها العاصمة السعودية يومي 11 – 12 يونيو الجاري لتفعيل هذه الجهود ووضعها موضع التنفيذ. ومما يزيد معدلات التفاؤل بتحقيق نتائج تلبّي التطلّعات والطموحات هو ذلك الاهتمام الكبير الذي يبذله الجانبان لتطوير علاقاتهما الثنائية.

فإن كانت المملكة ترغب في الاستفادة من تجربة الصين التي أوصلتها إلى مكانة مرموقة، خصوصاً في مجالات الصناعة والتقنية، فإن بكين على قناعة راسخة بأن الرياض هي بوابتها لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، لذلك تولي أهمية كبرى للتقارب معها، وأصبحت الشريك التجاري الأول للسعودية.

هذا الاهتمام الصيني بزيادة وتفعيل الاستثمارات مع المملكة يأتي إدراكاً لما تمثله الأخيرة من قوة اقتصادية كبيرة وقدرة شرائية مرتفعة وكوادر وطنية مؤهلة، ورغبة في تطوير وتحديث واقعها الاقتصادي، إضافة إلى الموقع الاستراتيجي الذي يتيح الوصول السهل للدول والمناطق الرئيسية، وبنيتها التحتية الحديثة للصناعات والخدمات اللوجستية، وتكاليف الإنتاج منافسة، وقبل كل ذلك ما تنعم به من استقرار سياسي لما تتمتع به سائر ربوع السعودية -ولله الحمد- من أمن وأمان، وسط عالم مضطرب.

كذلك يشكل الاقتصاد السعودي المزدهر عامل جذب للشركات الصينية التي تبحث عن ملاذات آمنة للاستثمار، فالسعودية تستأثر بنسبة 30% من إجمالي الناتج للدول العرب، كما أنها تشهد أداءً استثنائياً في حجم تكوين رأس المال الثابت والذي تجاوز ترليون ريال في العام 2022 بنمو سنوي يبلغ 31%، مدعوماً باستثمارات القطاع الخاص والذي نما بنسبة 50%، مما يؤكد على متانته والاهتمام بالأنشطة غير النفطية في المملكة.

لكل ما سبق فإن مؤتمر الأعمال العربي الصيني سوف يشكّل علامة فارقة في تاريخ العلاقات بين الصين والدول العربية. كذلك فإن الشخصيات الرفيعة التي ستحضر أعمال المؤتمر من الدول المعنية كافة تشير بوضوح إلى أن عوامل النجاح قد تضافرت لتحقيق الأهداف المنشودة.

عن مصدر الخبر

المصدر

Editor

Ads Here