ثقافة

الروائي سعيد الأحمد: فقدتُ حماسي للكتابة المُطوّلة

المصدر

ربما امتدّ هذا الحوار لأكثر من شهرين، لأن ضيفي عاشق (للتكثيف) حاولتُ السفر لأقصى ما يستوعبني صدر وفؤاد الروائي سعيد الأحمد، إلا أن أمديته واسعة وحيلي قليل، لا يجري الكلامُ على لسانه، بل يتسلل من ابتسامته عند الردّ على السؤال، وينبعث من نظرة عينيه شيء من الرضا، تتقاسمه ينابيع جمال، ليس بصفته الصديق، بل الإنسان الهادئ كسطح البحر في شهر إبريل، بينما يمور في أعماقه بشؤون وشجون، تدفعه للاختصار؛ وهنا بعضٌ من فتنة القول التي تحررك بالاستفهامات النسبيّة، لا بالإجابات المُطلقة.

• ماذا بعد رباط صليبي؟

•• لدي أكثر من مخطوطة، ولكن للأسف فقدت حماس الكتابة المطولة.. ربما خفتت لدي الرغبة، كما أن عملي الاستشاري يستنزفني كتابياً، فتصبح المسألة أكثر إرهاقاً..

• هل أنت كاتب مزاجي؟

•• نعم، لا أستطيع إنكار مزاجيتي.

• متى آمنت بمقولة «الرواية بنت المدينة»، وهل بسببها كتبت من فضاء مديني؟

•• أنا أؤمن أن الرواية ابنة بيئتها؛ مدينة أو قرية أو هجرة أو جزيرة، أو صحراء، فلكل بيئة مفرداتها اليومية الخاصة بها. كوني ابن مدينة هو ما فرض عليّ هذا الفضاء، ولو حاولت خوض تجربة فضاء القرية فقد لا أنجح في خوض مفرداتها.

• كيف تلقيت ردود الأفعال على عمليك (عسس، رباط صليبي)؟

•• متفاوتة، ولكن بشكل عام كانت جيّدة، ومُرْضِيَة.

• أيهما أكثر مركزية في انطباعه عن أعمالك؛ القارئ أم الناقد؟

•• بكل تأكيد يهمني القارئ، فالفعل الكتابي يقابله فعل قرائي، فالقارئ هو المستهدف وليس الناقد.

• متى قلت عن عمل من أعمالك؛ استعجلتُ؛ أو ليتني ترويتُ قليلا؟

•• بالنسبة لي كل عمل لا يكون مرضياً لي كلياً بعد النشر، ودائماً ما أطمح للأفضل، والكاتب عندما يصل إلى رضى تام عن أعماله فلن يقدم أفضل منها لاحقاً.

• لماذا خَفَتَ وهج الرواية؛ الذي فاجأنا منذ عقد ونصف تقريباً

؟•• تسارع الحياة، حياة التقنية، الحياة السهلة، وسائل التواصل، كتابة السطر والسطرين، وسائل الترفيه التي ازدحمت بها حتى المناطق النائية..

• بماذا تصف الروايات التي تنهمك في كسر ما تظنه (تابو)؟

•• اللعب على (التابو) أصبح فناً مستهلكاً، ولا يحمل النَفَسَ الفني المطلوب بقدر ما يشحذ الضجيج في الغالب، ومع ذلك ربما تجد بعض الأعمال التي وظفت (التابو) بشكل مقنع داخل سياق العمل، وليس اعتسافاً.

• ما رأيك بمن يكتب مع اقتراب موسم الجوائز، وما مدى صدقيته الفنيّة؟

•• العمل الروائي تكامل فني ومعرفي، وليس عملاً موسمياً، لذا أنا ضد التعامل مع الفن باعتباره سلعة، تباع وتشترى على أرصفة الجوائز.

• هل استهلك السُّراد كل الموضيع التي يمكن تناولها؟

•• المواضيع لا تنتهي، وبكل مدة زمنية تستجد موضوعات وحكايا جديدة.. الشارع مليء بالحكايا والقضايا والمواضيع.

• ما تفسيركم لكون اسمين أو ثلاثة من الروائيين السعوديين هم الأكثر حضوراً اليوم؛ عربياً؟

•• أعتقد أن غزارة الإنتاج لها دور في تكريس الأسماء.

• ما نقطة قوة سردنا، وما نقاط ضعفه؟

•• نقطة القوة هي التنوع الجغرافي والبيئي، تلك التي تخلق فضاءات متنوعة، بما في ذلك أعراف ولهجات والإرث الثقافي والشعبي لكل بيئة، أما نقاط الضعف فغالباً تكون في المشكلات التكنيكية، وأيضاً يعاني السرد لدينا -في المجمل- من الترهل والشحوم الزائدة عن جسد النص.

• ألا ترى أن تقنيات أو تكنيك الكتابة لدينا متشابه؟

•• في كثيرٍ من الأعمال، نعم.

• ما الذي تخشاه من الرواية، وما الذي تخشاه عليها؟

•• لا أخشى من الرواية، ولكن أخشى عليها من الخفوت أكثر مما هي خافتة الآن.

• كيف تقرأ ظاهرة أسامة المسلم؟

•• حقيقة لست متابعاً جيداً، لذا لم يتشكل لدي تصور معين.

• ما مشروعك الذي تعمل عليه اليوم؟

•• انتهيتُ من كتابة مسلسل تلفزيوني، بالتعاون مع منتج كويتي، وسيرى النور قريباً..

• هل كتابة المسلسل امتداد طبيعي للقصة والرواية؟

•• نعم طبيعي، لكن بشرط أن تتوفر آليات وتقنيات كتابة السيناريو والحوار، كون للدراما حبكة خاصة مختلفة عن السرد القصصي، فالدراما تحتاج صناعة الشخصيات بصرياً، وتوفير الملاءمة بين المكان والزمان، والحوار باللهجة العامية أو اللغة البيضاء.

• ما صحة مقولة «نحن كتابياً صدىً للشام ومصر»؟

•• ليست مقولة دقيقة، ربما في البدايات؛ عندما كتب عبدالقدوس الأنصاري (التوأمان) وكتب حامد حسين دمنهوري (ثمن التضحية) وكتبت سميرة بنت الجزيرة (ودّعت آمالي)، فالبدايات محكومة بالتأثر وهذا شيء طبيعي، والمحاكاة هنا كانت للرواية المصرية أكثر من الشامية. والتجارب الإنسانية، عموماً، لا يمكن فصلها عن بعض، فهي تراكمية ذات وشائج قربى مع من قرُب ومن ابتعد، وأحياناً تُختزل في اللاشعور؛ ولا تشعر أنك امتداد لغيرك إلا عندما تستمع لرأي ناقد موضوعي خبير، ما فيه شيء جاء من الهواء، فالإرث الإنساني مستمر واللاحق يضيف لمن سبق، فالإبداع أبوه واحد، وأرحام الولادات متعددة.

• كأنك تقول بتسلسل المعرفة والوعي عبر العصور؟

•• بالطبع لا شجرة من غير جذور، ولا بناء دون مداميك، منذ الإغريق؛ ومن تبعهم ومن قبلهم، نحن نتوارث أطراف حكاية أو عِلماً أو وصايا، ثم بإعادة صياغتها تُنسب لمن صاغها، بينما هو متلقٍّ عن أسلاف، وخذ مثلاً الوصايا العشر، التي جاء بها موسى -عليه السلام-؛ تجد لها امتداداً في الشرائع والأديان، وقسْ على ذلك الحكمة والأمثال والقصص.

• أين تجد منعطف الرواية السعودية عبر عمرها المديد؟

•• أعدّ عبدالعزيز مشري (عليه رحمة الله) هو المنعطف، فأعمال المشري، أظهرت في الثمانينيات هوية الإنسان السعودي بوضوح في الرواية السعودية، بينما قبلها لا تستطيع الجزم بالملامح والهوية لشخصيات العمل، فالهوية عندي المشري سعودية، والجغرافيا محليّة، واللغة فاطرة من الأرض، ورائحة المكان تتشربها من مسام جسد، كأنك تعرفه وأنت تقرأ (صالحة) أو (الوسمية) وهذا ليس حكماً بالمُطلق، فهناك نسبيّة في تقييم ومقايسة الأذواق.

• متى بلغت الرواية المحلية الذروة وأخذت حقها؟

•• أعتقد أن الرواية السعودية بلغت ذروتها ما بين عام 2000 إلى 2015، ومن بعد وقع خفوت وتراجع، علماً بأنّ الإنتاج لم يتراجع، لربما مواقع التواصل؛ والسوشيل ميديا، استقطعت من الاهتمام نصيب الأسد، وكذلك تسارع إيقاع الحياة، والمشاغل اليومية، مما هو خارج سياقات النص.

• كيف ترى الكتابة التجارية؟

•• موجودة؛ ومواقع التواصل، غالباً تسويق، وطموح لجني المكاسب المادية وغيرها، منها زيادة عدد المتابعين.

• ممَ تخاف فتحجم عن الكتابة؟

•• لستُ خائفاً في بلد الأمن، ولكني تأمّلي، ثم الظروف تحكم وتتحكم، وعامل الزمن، والعمل، والأسرة، والزحمة التي تقتص منك الوقت.

• ما الأعمال الروائيّة التي انظلمت؟

•• لعلي أذكر (الأسطح والسراديب) لعبدالواحد الأنصاري، و(نُزل الظلام) لماجد الجارد، وربما هناك غيرهما، لكن هذين العملين خطرَا ببالي الآن.

• بالنسبة لك مع عالم السرد، ما أول كاتب شدّ انتباهك لعوالمه؟

•• بداية قراءاتي في الأدب الروسي؛ تولستوي، شيخوف، ثم مدرسة الواقع السحري في أدب أمريكا اللاتينية.

• ماذا أضافت ملتقيات الرواية للروائيين؟

•• ربما في بداياتها كان لها شيء من إضافة بسيطة، والغالب تنظير وطرح أكاديمي يفتقر لورش العمل، فالفن يحتاج ورش العمل أكثر من حاجته للتنظير.

• على من تراهن من الأسماء الجديدة؟

•• الجديد عاد لكتابة القصة القصيرة، كون الإيقاع سريعاً، عديّ الحربش يكتب القصة بريشة رسّام.

• ماذا يسكنك من البيئة القروية؟

•• لم أسكن القرية ولذا لم تسكني، وطين بيت جدي لا يعرف رائحة جسدي.

عن مصدر الخبر

المصدر

Editor

قد يعجبك أيضا

Ads Here