الجريمة التي هزّت الأردن
د.فايز رشيد
تعوّدنا في السنوات الأخيرة على سماع جرائم فظيعة، تقشعر لها الأبدان في دول كثيرة عربية وعالمية. جرائم يندى لها الجبين الإنساني وتهزّ قارئيها ومن يسمع عنها. لكن غرابتها في عالمنا العربي تكمن في أنها تحدث في مجتمعات لها قيمها وأخلاقها الموروثة وأديانها السماوية، وعلى رأسها الدين الإسلامي الحنيف، حيث تدين به الغالبية من سكان المجتمعات العربية والإسلامية وجزء كبير من دول العالم الغربي. كذلك نصّت الأديان الأخرى التي نحترمها ونجلّها على القيم الإنسانية النبيلة ونبذ العنف واحترام الآخر. ومثلما يقول المؤرّخ الألماني يان أسمان: «إن العنف ليس متأصلاً في الدين ولا يمكن اعتباره عنفاً باسم الله». بالطبع فإن المتشددين الدينيين والقوميين لا يتوقفون عن استغلال النصوص الدينية من القرآن والإنجيل والتوراة والنصوص القومية في تبرير العنف والجرائم التي يقترفونها.
ففي جريمة بشعة هزّت الأردن والعالميْن العربي والإسلامي وكل أصحاب الضمائر الحية، أقدمت مجموعة في مدينة الزرقاء الأردنية على اختطاف فتى لم يبلغ من العمر 16 عاماً ومن ثمّ نكّلوا به بوحشية، الأمر الذي أحدث موجة من الغضب الشديد بين أوساط الشعب الأردني، ما دعا أعلى الأوساط الحاكمة إلى التدخل السريع لكشف ملابسات هذه االجريمة النكراء. والحمد لله أنه تم إلقاء القبض على الجناة سريعاً وتنصب الجهود الرسمية الآن على إيجاد كافة الطرق الطبية لعلاجه ما أمكن.
من هنا يتوجب التركيز على التربية والتنشئة البيتية وكذلك العلاقات المجتمعية ومناهج التدريس وأهمية زرع القيم الإيجابية في النشء الجدد في كل هذه المراحل. كما يجب تغليظ العقوبات الرّدعية على الجرائم. والتحذير الشديد من العنف والإرهاب. هذه القيم التي يتشربها الفرد في طفولته ومراحل حياته المختلفة في الدراسة والمراحل المجتمعية المختلفة أيضاً تسهم بدرجةٍ كبيرة في الحد من الجرائم، لأن الأسرة هي الحلقة الأولى التي يتشرّب فيها الفرد قيمه. كما أن الجغرافيا أو مكان السكن والقوانين تعتبر عاملاً مهماً في التساهل مع بعض الأخطاء أو تفخيمها، مثل ما هو حاصل بما يُسمى جرائم الشرف.
ويقول محامي الجنايات الكبرى نايل الرقاد إنه في حال ارتكب مريض نفسي جريمة قتل، فإن العقوبة تسقط عنه، ويُصار إلى تحويله لمصحة نفسية لتلقي العلاج، لافتاً إلى أنه من النادر جداً ارتكاب مريض نفسي جريمة قتل. وتابع الرقاد أنه تعامل مع آلاف القضايا الجنائية، مبيناً أن الحالات التي يدعي فيها محامي الدفاع عن القاتل أنه مريض نفسياً يتم التحقق منه، من خلال نقله إلى المصحة النفسية والتأكد من سلامة صحته النفسية، ومعرفة ما إذا كانت لديه ملفات سابقة تُشير إلى وجود تاريخ مرضي. وأوضح أن مدمن الكحوليات أو المخدرات إذا ارتكب جريمة قتل فإنه يخضع للعقوبة بأكملها، دون أن تُخفف عنه؛ لأنه ارتكب الفعل الجرمي بإرادته، حيث إنه تناول الكحوليات أو تعاطى المخدرات بإرادته، مبيناً أنه بعد إلقاء القبض على القاتل المدمن تُجرى له الفحوص لمعرفة درجة إدمانه، وتُطبّق عليه العقوبة فيما بعد. ولفت الرقاد إلى أن مَن يرتكب جريمة قتل وهو بحالة غضب شديد، فإن ذلك لا يُنقص من عقوبته شيئاً.
يُذكر أن معدلات الجرائم المرتكبة في الأردن العام الماضي، ارتفع بنسبة 7.57 % مقارنة بالعام 2018، وفقاً للتقرير الإحصائي الجنائي لعام 2019 الصادر عن مديرية الأمن العام. وبحسب التقرير، فإن أكثر الأسباب التي دفعت لارتكاب جرائم القتل العمد والقصد في الأردن خلال العام الماضي، هي الخلافات الشخصية بنسبة 48.18%، تلتها الخلافات العائلية بنسبة 30.91%، بينما شكّلت دوافع الثأر والدفاع عن النفس والدوافع المجهولة النسبة الأقل بواقع 0.91 %. وأشار التقرير إلى أن أصحاب الأعمال الحرة هم الأكثر ارتكاباً للجرائم في المملكة، بينما جاء المتعطلون عن العمل في المرتبة الثانية من حيث الإقدام على ارتكاب الجريمة.
من جهة أخرى، وصل عدد جرائم القتل الأسرية بحق النساء والفتيات في الأردن خلال الشهور العشرة الأولى من العام 2019 إلى 20 جريمة، بارتفاع نسبته 186%، مقارنة بالفترة ذاتها من العام 2018، وفقاً لما رصدته جمعية معهد تضامن النساء الأردني تضامن.
Fayez_Rashid@hotmail.com