أرشيف

التجميل بين الحاجة والهوس

المصدر

(إن الله جميل يحب الجمال). كلنا نعشق الجمال، وهو نوع من الكمال الذي ننشده، ولكل منّا رؤية مختلفة ومقاييس مختلفة، ولكن معظمنا أجمع على أن الطبيعي أجمل وأبقى وأكثر إقناعاً.
السؤال هو (هل مقاييس الجمال تغيرت؟)، على ما أعتقد نعم تغيرت بل ربما نقول تشوهت، من الأنف الحاد كالسيف إلى أنف صغير، ومن شفاه معتدلة الامتلاء إلى شفاه نراها كأكثر الملامح بروزاً، وأحياناً كثيرة تضيع ملامح الوجه لتكون فقط شفاها ممتلئة لحد الانفجار!.
توفر المال لا يبرر القيام بعملية تجميل لا يحتاجها الإنسان في كثير من الأحيان، التغيير مطلوب والتجدد رغبة لدى الجميع، ولكن من الذي يحدد مدى نفع هذا الإجراء للشخص، فما يناسب شخصا قد لا يُناسب شخصا آخر! أليس هو الطبيب، أم أن الأمر يرضخ لما يطلبه الزبون، وأنا ضد كلمة (زبون) لأن من يأتي للطبيب إمّا مريض أو مراجع، اللغة التجارية ليس من اللائق استخدامها في مهنة الإنسانية.
من غيّر معايير الجمال؟ ومن يسُّوق لهذا التغيير؟ وما الذي جعل تفكير الناس ينصب جله على الجمال والتجميل؟
لا أعتقد أننا نختلف إذا قلنا إنها السوشال ميديا، تلك المنصات التي أخرجت لنا نماذج اعتبرناها أيقونة الجمال، وكل منهم يسوق لطبيبه الذي صنع هذا الفرق! الجمال هو هبة من الله والطبيب أو أخصائية التجميل مهمتهما هو كيفية إبراز هذا الجمال، أو ربما إزالة تشوه يُنقص من قيمة ذلك الجمال، كوحمة ولادية أو تصبغ مع الزمن.
أو ربما المهمة الأسمى كما أعتقد هي جعل الناس يكبرون وهم في أجمل صورهم وليس في صور مختلفة بالطبع.
من الممتع أن يكبر الإنسان وما زال محتفظاً بالتقاسيم نفسها، وببشرة بهية وجسد رشيق، وإن كبر وتغيرت طبيعة بشرته وجسده، فليس عيبا، بل هؤلاء أناس اختاروا أن يعيشوا مراحل حياتهم بطبيعتها وبرضى تام.
التسويق لعمليات التجميل بصور ما قبل وبعد، جعلت الكثيرين يرغبون فيما بعد وينسون الخطوات التي قبلها أو ربما التي تليها.
كثير من الناس يتحمل الألم من أجل الجمال، وكثير منهم وقع فريسة الإعلانات فاختار المكان السيئ أو الطبيب غير المحترف، فخرج بنتائج كارثية. الطبيب المحترف ليس بالضرورة طبيب يتحدث عنه المشاهير لأن عمله هو الشاهد والدليل على مهارته.
لكل جسد ظروفه الخاصة، وما يناسب أحدهم ليس بالضرورة أن يناسب الآخر، وعلينا أن نؤمن أن معظم ما نراه على السوشال ميديا أو على الإنترنت ليس صحيحاً مئة بالمئة، وأنه تنقصه كثير من الحقائق كالحديث عن المضاعفات مثلاً.
عمليات التجميل ليست قصراً على النساء، بل تزايد عدد الرجال الذين يخضعون لجراحات التجميل، فالجمال مطلب الجميع، وأكثر عمليات التجميل شيوعاً بين الرجال هي تجميل عضلات البطن وحقن البوتوكس وزراعة الشعر بالتأكيد.
قد تختلف الأذواق في الجمال، ولكن أهم ما في الأمر هو الحفاظ على الإنسان. التكنولوجيا والتطور والتقدم الطبي خُلق من أجل خدمة الإنسان ورفاهيته، ومن أجل تحسين حياته وليس شقائه وركضه خلف كل ماهو جديد بغض النظر عن مخاطره أو جودته.
نحن في زمن الهوس والتقليد وانطماس الهوية الشخصية، فكثير من الناس الآن أصبحوا يتشابهون لأن جراحهم واحد، أو أن مرجعهم صورة واحدة أحبوا أن يكونوا مثلها، وساعدهم مشرط الجراح.
Next Page >

عن مصدر الخبر

المصدر

Editor

Ads Here